قائمة الموقع

مقال: رسالة من قبور الأحياء

2013-04-18T08:25:24+03:00
أ. وسام عفيفة
بقلم/ وسام عفيفة

في لحظة واحدة تركوا "الأبراش" و"المقاشات" تجمعوا داخل الغرف و"المردونات" والزنازين، وقفوا في الفورة والعزل كأنهم في صعيد واحد، أو كمن سمعوا نداء عاجلا.. تسمروا في مواقعهم كأنهم يستمعون لعزف السلام الوطني. كانوا يبحثون عن بصيص نور يتسلل إلى عيونهم كي يتمكنوا من توصيل رسالة جماعية في ذاك اليوم.. السابع عشر من نيسان.

ولأنهم يملكون قوة خارقة على الصبر والصمود استطاع كل أسير منهم أن يتلقط لحظة نور حولها إلى إشارة تنتقل عبر الفضاء لينقل لنا زفرة طويلة ثم بدأ بث الرسالة:

لنا يوم، ولكم كل أيام السنة.. لدينا القيد، ولديكم البحر والجبل والسماء، تحتضنون أبناءكم وتشعرون بأنفاس زوجاتكم وتنامون في أحضان أمهاتكم، ونحن نتأمل الصور ونقبلها.

تستيقظون على أصوات العصافير وهدير الأمواج وضحكات الأطفال، ونحن ننام ونصحو على صوت السجان، وصرير أبواب الزنازين، وقرع السلاسل والأقفال.

إن نسيتمونا فنحن لا ننساكم، وإن شغلتكم عنا مكاتبكم ومناصبكم وسياراتكم وسفرياتكم، سنغفر لكم، لأنكم أسرى للدنيا، ونحن من يحرركم، من يذكركم.. سنداويكم بوجعنا، وسنحييكم من قبورنا، وسنضيئ عتمتكم من ظلام سجننا.

أما نحن فنعيش على وعد الأوفياء، نرخي آذاننا نحو المذياع كلما أعلنوا غياب جندي (إسرائيلي).. يتسع الأمل في نفوسنا بقرب العودة كلما طال غيابه، نبحث عن أمل آخر بعدما يعثرون على الجندي.

أيها المشغولون بهمومكم، إليكم كلمات أسير من بيننا.. كلمات الأسير حسن سلامة تعبر عنا فاسمعوها وعوها:

يا من تسكنون ذلك العالم الكبير الذي نسمع عنه دون أن نراه.. مكاني عالم صغير نحيا فيه مرارة الاعتقال والعزل.. في هذا المكان الضيق.. الذي يضيق أكثر وأكثر، كم يحلو لنا أن نتذكر ذلك الزمان الذي مضى والذي قد يكون هو الصورة الأجمل التي ما زلنا نحملها في قلوبنا وعقولنا..

   أيها الأحبة هم يريدون عزل ذاكرتي.. إخراجي من عالم البشر ووضعي في عالم الأموات لكي -بعد سنوات طوال- يصلوا بأحدنا إلى ذاكرة جديدة ليس لها علاقة بالبشر..

أبحث عن وسائل مساعدة حتى أبقى حيا أتنفس، والله ثم والله إنكم الأكسجين الذي أتنفس من خلاله إن وصلني تنفست وانتعشت وإن انقطع عني عدت جثة بين جثث تتحرك كما في أفلام الأموات التي تتحرك بعوامل معينة لكن لا روح ولا نفس، فقط جسد يسير ويمشي.

كم سيتكلف أحدكم من الوقت إذا تحدث لدقائق معدودة كل أسبوع أو أسبوعين؟ أو كتب رسالة مع محام أو على البريد، وهو يشعر بأنها ستقوي وتعين سجينا معزولا هي عنده حياة جديدة؟

 لو كنت أملك شراء دعمكم لي ولمن مثلي من الأسرى بكل ما أملك والله ما قصرت..

وهي كلمات نطق بها وجعي من هذا الزمن..

إلى أصحاب العالم الآخر.. ذلك الذي نسمع عنه ولا نعيشه.. أتمنى لكم من كل قلبي التوفيق وسأبقى أحبكم ولو نسيتموني فعزائي أن لي ربا اسمه الكريم لن ينساني أبدا.

 

اخبار ذات صلة