مهانة وحسرة شعب فاقت ما عاشه من ذل ومرارة وجوع وهم 30 سنة تجسدت في ابتسامة، وفساد واستبداد وإجرام وجبروت وطغيان تجسدت في ذات الابتسامة المستفزة التي عصفت من خلف القضبان.. أنا مبارك.
أراد أن يختزل كل إحساسه بنشوة توالى قرارات الإفراج عنه، ولذة إقامته في المستشفى الطبي الفاخر في ابتسامة ليغيظ من ثاروا ضده، فرغم ثورتكم بينما أنتم تموتون جوعاً ومرضاً أنا أعامل معاملة 5 نجوم وما زلت أنا مبارك .. ملوحاً بيده بثقة من فوق سريره الطبي الوثير من خلف قضبان القفص للشعب الذى يحلم بمحاسبته، ولأتباعه كمان كان يفعل في مؤتمراته.. فلا تقلقوا ما زلت مبارك.
هدوء وسعادة لا تتناسب مع ديكتاتور يحاسب على ما ارتكبه من جرائم بحق شعبه طوال ثلاثة عقود، قتل وعذب خلالها الآلاف من خيرة شباب البلد، وانتهكت الحرمات، وبيعت المرافق والشركات قطعاً، وصارت مغنماً له ولولديه وأتباعهم، وفقدت الدولة زعامتها عربياً وإقليمياً، واحتل خلالها لقب الحليف الأول لأمريكا في المنطقة العربية، وحارس الكيان الصهيوني، وشريكه في إبادة سكان غزة، سلسلة من الجرائم كفيلة أن تقتله هلعاً من هول ما سيلقاه من أحكام افتراضية، فإذ بالرجل يجد نفسه "متشال على كفوف الراحة" طوال عامين من المحاكمة، وقرارات إخلاء السبيل تتوالى، وينتقل من مستشفى راق لآخر، لا يدخل مثله 95% من الشعب المسكين، فلماذا لا يبتسم.. أنا مبارك.
عندما تختفي أدلة إدانته، ويصبح أمر سجنه كأي مجرم مجرد حلم في خيالات الواهمين، وتغيب المليارات التي نهبها هو وأسرته في غيابات حساباته ببنوك أوروبا وأمريكا، ولا يستعيد البائسون منهاً جنيهاً، ويكفر البعض بالثورة ويصرخ "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، ويرى الشعب يقتل بعضه بعضاً، وتتحول محاكمته لمسرحية هزلية سخيفة مل الناس منها، ويعلم أنهم باتوا يتندرون أنه سيخرج من سجنه الطبي ليقود الجماهير، ويترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة فلماذا لا يبتسم.. أنا مبارك؟
عندما تشتد الأوجاع، وتصبح سخافة محاكمته باعثاً للإحباط من آن لآخر في نفوس الملايين ممن يبحثون عن الأمل، واستبشروا بغدٍ أفضل بين ثنايا كلمة ثورة، ويرى نفسه ما زال ملكاً متوجاً في قلوب وعقول أتباعه من المغيبين والفاسدين، وأنه رغم كل جرائمه لم تلمس "الكلبشات" يديه الملوثتين بدماء المصريين والعرب والمسلمين، ولم يحبس ولو للحظة في إحدى الزنازين التي ارتكب فيها زبانيته أبشع جرائم التعذيب واغتصاب النساء بحق معارضيه، فلماذا لا يخرج لنا لسانه ليغيظنا، ويصرخ بهذه الابتسامة الباردة.. أنا مبارك