يقيم أحد أعضاء المكتب السياسي لحركة "حماس" في تركيا، وآخر في القاهرة، فيما رئيس المكتب في قطر. والعلاقة مع هذه الدول ممتازة. وهي مع طهران "سالكة"، إن لم تكن جيدة جدا، رغم خلافات الحركة مع النظام السوري. ويهمّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بزيارة غزة. وقد انضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في طلب تأجيل هذه الزيارة.
كذلك، لدى "حماس" قنوات مع الأردن، وحتى دولة مثل الإمارات العربية؛ تتبنى موقفا حادا من الإخوان المسلمين، لا تمانع في استضافة قادة "حماس" على أعلى المستويات بين الحين والآخر. بكلمات أخرى، لدى "حماس" علاقات إقليمية ناجحة، تتشابه في تنوعها مع ما لدى قطر من قدرة على جمع التناقضات.
انعقد أول من أمس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الدوحة، وسط تغطية إعلامية لافتة. وهذا تطور جديد في أداء الحركة؛ إذ لم تعد الاجتماعات سرية، أو شبه سريّة.
ولا شك في أنّ العلاقة بين "حماس" وقطر فيها بعد عضوي واضح. فإذا كان اسماعيل هنية هو أحد الذين يرتقون على سلم القيادة في الحركة، وأصبح نائب رئيس المكتب السياسي، فإنّه لا يمكن تجاهل أن ترتيب العلاقة مع خالد مشعل، وتراجع هنية عن خوض غمار انتخابات رئاسة المكتب، جاءت بعد زيارة مشعل غزة، وأنّ هنية باعتباره رئيس وزراء يحتاج بشكل ماسّ إلى الدعم القطري لموازنة "غزة"، وللمشاريع التي يتم إنشاؤها هناك. بعبارة أخرى، قطر هي بلد المقر، وهي المانح الأكبر لحركة "حماس".
وقطر وإن كانت ليست دولة ممانعة، وإن كانت تنسق مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فلا يمكن الجزم بمدى قدرتها، أو رغبتها، في صياغة قرارات "حماس".
وعلى سبيل المثال، فإنّ ترحيب "حماس" بعد اجتماع الدوحة بفكرة القمة العربية المصغّرة لرعاية المصالحة الفلسطينية، وفيما مثل شكراً للقطريين وإحراجاً لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الرافضة للقمة، إلا أن بيان الحركة تضمن إشارة إلى أنّ كل شيء في المصالحة جرى الاتفاق بشأنه في القاهرة والدوحة، وهو نوع من رسالة تقطع الطريق على اتفاقيات جديدة.
الأكيد أنّ قطر تستطيع تقديم الكثير لحركة "حماس؛ أكثر من الدعم المادي والمقر. فمثلا، يمكن أن تقدم التوسط، وتسهل توسعة قنوات الحركة عالميا، وتسهل قبولها دوليا. ولنا تخيل مثلا أن "حماس" وهي تسعى إلى رفع اسمها من قوائم تنظيمات الإرهاب في أوروبا، تستعين بكل من قطر وتركيا.
إلى ذلك، تسعى "حماس" (في مطلبها الشرعي)، إلى أن تتم إعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يشكل ذلك بوابة لها لمحاولة الدخول إلى القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني، وقطر وتركيا يمكن أن تساعدا في ذلك كثيرا، من خلال التنسيق مع قيادة منظمة التحرير.
كانت قطر حليفة لحزب الله، وسورية، وحماس، وعلى وفاق مع إيران، في الوقت الذي تمر علاقاتها بواشنطن وتصل حتى الإسرائيليين؛ أي إنّ ما تقوم به لا يضمن التأثير المطلوب دائما، كما أنّ معادلات علاقاتها يمكن أن تتغير.
قطر في الوقت الراهن، مهتمة بدفع عملية التسوية قدما، وتقود الأسبوع المقبل وفدا إلى واشنطن لهذا الغرض. وقطر نجحت، بالمساعدة والرعاية، في تغيير قيادات أنظمة عربية عدة.
وطبيعي أنها وهي ذاهبة إلى واشنطن لنقاش العملية السياسية، ستكون قد حاولت ترتيب الأوراق مع الفلسطينيين، وفي مقدمتهم ضيوفها وحلفاؤها؛ أو على الأقل دخلت معهم في حوار معمق ومؤثر. إن مرونة "حماس" في شأن التسوية، هي جزء من تأهيلها لتكون بديلا مقبولا دوليا في القيادة الفلسطينية.
لقد كان فوز خالد مشعل برئاسة المكتب السياسي لحماس مجددا، بعد التحولات التي أصابت مواقفه في السنوات الأخيرة -ومن ذلك إعلانه صراحة أنه في حالة أعطي الفلسطينيون دولة في الضفة والقطاع فسيوقف المقاومة العنيفة أثناء المطالبة بحقوق أخرى- موافقة ضمنية من "حماس" على مثل هذه المواقف.
لا يمكن تجاهل أهمية دولة "المقر" و"المانح" لحركة ما في تحديد اتجاهاتها؛ و"حماس" تستقر في قطر، وهي المانح الأهم لها. والأشهر المقبلة محملة باحتمالات تطور في مكانة "حماس"، إقليميا ودوليا وفلسطينيا، وبتغيرات وتطورات في مواقفها السياسية (وربما العسكرية).