قائمة الموقع

مقال: الحركة الإسلامية وأولويات المرحلة

2013-04-25T06:18:26+03:00
بقلم:مؤمن بسيسو
بقلم:مؤمن بسيسو

تتوزع الحركة الإسلامية الفلسطينية بين جواذب ثلاث تشدّها في مسارات مختلفة في غمرة التحديات العاصفة التي تفرضها المرحلة الراهنة.

الجذب الأول يشدّها في اتجاه أصلها وجذورها ومنابتها كحركة إسلامية انطلقت من أجل تغيير الواقع، وتكريس القيم والأخلاق الدينية، واستئناف الحياة الإسلامية في المجتمع.

أما الجذب الثاني فيشدّها في اتجاه مواكبة المتغيرات السياسية التي طرأت على المعادلة الفلسطينية الداخلية عبر انخراط حركة حماس في المشهد الانتخابي وفوزها بالأغلبية البرلمانية واقتحامها للنظام السياسي الفلسطيني من أوسع بواباته، وما تلا ذلك من تشكيل حكومة منفردة وأخرى وحدوية وغير ذلك من تجليات العمل السياسي الذي اكتسى بالصبغة الرسمية، وما اقتضاه ذلك من حرص على التهدئة مع الاحتلال لصالح الحفاظ على البناء والمنظومة السلطوية.

بينما يشدّها الجذب الأخير إلى أسباب ومبررات النشأة والانطلاق وطنيا، وينحاز بها إلى الوفاء لمقتضيات مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال التي تعطي الأولوية المطلقة لمسار المقاومة والكفاح حتى نيل الحرية ودحر الاحتلال.

واقع الحال أن اتساع الوعاء التنظيمي للحركة الإسلامية الفلسطينية قد أسهم في تعدد الاتجاهات الناظمة لتفكيرها الاستراتيجي، وخصوصا في السنوات الأخيرة التي تلت الانخراط في النظام السياسي الفلسطيني وبنى ومؤسسات السلطة الفلسطينية، ما أوقع الحركة في أتون مرحلة رمادية ذات خيارات متحركة بعيدا عن الحسم الاستراتيجي.

قد يكون من الخفّة والسذاجة بمكان تحديد خيار أو اتجاه استراتيجي وحيد بمعزل عن الخيارين والاتجاهين الآخرين، وذلك بحكم الواقع الفلسطيني كثير التشابك والتعقيد، وما أرسته المعادلة الفلسطينية الداخلية من إفرازات مؤثرة خلال المرحلة الماضية يستحيل كشطها بجرة قلم أو تجاوزها برغبة مجردة معزولة عن سيرورة الأحداث وسياقات الواقع.

لكن مقتضيات المرحلة واعتبارات الواقع تفرض -في المقابل-نزوعا نحو تحديد الأولوية الأكثر إلحاحا التي تتوافق مع المصلحة الوطنية العليا لشعبنا وقضيتنا، والمصلحة العليا للحركة الإسلامية الفلسطينية في ذات الوقت، وضمان تطويع الاتجاهين الآخرين وتكييفهما قدر الإمكان وفق مقتضيات الأولوية الأكثر إلحاحا دون إخلال أو ارتباك.

ولا جدال في أن أولوية التحرر الوطني ينبغي أن تحتل موقعها المتقدم على ساحتنا الوطنية، وأن يُفرد لها من الرؤى والآليات الكفيلة بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإعادة صياغة الواقع الفلسطيني من جديد بما ينسجم مع هذه الأولوية ومقتضياتها الكبرى.

لم يأتِ تشتت الخيارات والاتجاهات الوطنية في إطار التفكير الاستراتيجي للحركة الإسلامية إلا بثمار مشوهة ونتائج عكسية تجلت في قرارات غريبة وسلوكيات قاسية على المستوى الاجتماعي من جهة، وممارسة سياسية دارت في فلك واقع موبوء وهياكل خربة، وتغولت في كثير من الأحيان على ضرورات استمرار الفعل الكفاحي المقاوم من جهة أخرى.

يصعب أو يستحيل الجمع بين مفاعيل الاتجاهات الثلاث في قالب واحد، فقد رأينا كيف يمكن لحملة ذات صفة قيمية وأخلاقية تقودها وزارة الداخلية أن تضر بالأسهم الشعبية للحركة الإسلامية، وتثير انتقاد العديد من الشرائح المجتمعية في هذه المرحلة التي يطغى فيها الاحتلال، في وقت يُفترض أن نكون فيه الأكثر حرصا على تحشيد كافة الشرائح المجتمعية دون استثناء في معركة التحرر الوطني ضد الاحتلال.

كما رأينا كيف يمكن للإفراط في التمسك بالكيان السلطوي والاستغراق في دوامة العمل السياسي أن يحدّ من الجهد المقاوم، ويقصره على البعد الدفاعي، في وقت يُفترض فيه تطوير أشكال العمل المقاوم وآلياته كافة ضد الاحتلال.

اختيار أولوية التحرر الوطني تقتضي إعادة صياغة كاملة لكثير من الرؤى والاستراتيجيات والآليات والبنى والهياكل القائمة، وهي -بلا شك- جهد ضخم ومهمة جليلة ذات تكاليف ثقيلة، إلا أنها تعيد رسم خارطة العمل الوطني الفلسطيني من جديد على أسس سليمة، كما تعيد ضبط البوصلة الوطنية في اتجاه الاحتلال، وتضمن تحشيد كل الجهود الشعبية والفصائلية وتوظيف كل الطاقات الوطنية في مسار معركة التحرر ضد الاحتلال بعيدا عن المعارك الجانبية والمسارات الفرعية.

اخبار ذات صلة