كلما رشحت الأنباء عن نوايا قائد أو زعيم أو مسئول لزيارة قطاع غزة أو تناثرت أحاديث عن زيارة لمسئول في الحكومة بغزة الى أي بقعة في العالم سرعان ما تبدأ جملة من الاحتجاجات والاتصالات والضغوط من قبل حركة فتح وفصائل منظمة التحرير وانتقادات زمرة من المطبلين والمحللين في وسائل الاعلام عن مضار هذه الزيارة ونوايا الزائرين واذا ما حدث الاصرار تبدأ المرحلة الثانية متمثلة في الاتهامات الجاهزة والمفصلة وعبارات التخوين والردح لمن تسول له نفسه اختراق (وحدانية التمثيل) لسلطة منظمة التحرير ومؤسساتها.
ان أي نظام سياسي في العالم مكون من مؤسسات يجري انتخابها لاداء وظائف معينة وتنال الثقة من الجمهور وفقا لهذا الدور ولفترة زمنية تحددها الدساتير ، وطبيعة النظام السياسي الفلسطيني المعقدة خلقت انماطا من التداخل بين مؤسسات السلطة التي انشأت داخل الارض الفلسطينية المحتلة بعد اتفاقات اوسلو ومؤسسات منظمة التحرير بعدما كانت الشرعية الفلسطينية هي شرعية المقاومة وهي الشرط للمشاركة التمثيلية في مؤسسات المنظمة (سابقا).
ويمكن الاشارة الى انه لم يحدث سابقا ان جرت انتخابات لمؤسسات المنظمة، فالمجلس الوطني تم تشكيله بالتعيين من الفصائل والقيادات والمؤسسات وفق كوتات معينة، ولا تتم انتخابات للجنة التنفيذية التي يتم اختيارها بالتوافق وبالتصفيق كما شاهدنا سابقا وهي حاليا لا تضم قوتين رئيستين في الساحة هما حماس والجهاد.
اما مؤسسات السلطة فوفق القانون هي قسمان مؤسسة الرئاسة والمجلس التشريعي وقد جرت لهما انتخابات مباشرة من الشعب افرزت رئيسا من فصيل وبرلمانا بأغلبية من فصيل آخر ولعل من اهم اسباب حالة الانقسام التي نعيشها اصرار البعض الانقلاب على نتائج الانتخابات وحصر التمثيل السياسي في مؤسسة الرئاسة وعدم الاعتراف بشرعية الوجود والتمثيل ومنهج الاقصاء والتفرد ومحاولة احتكار القرار السياسي وعدم الايمان بالشراكة كأساس للعلاقات الوطنية، وقد تجلى ذلك بعد الانقسام عبر تشكيل حكومة ( غير شرعية ) في الضفة من قبل الاغلبية البرلمانية وبدون موافقة ممثلي الشعب وفق ما يقرر الدستور الفلسطيني كي تغتصب التمثيل والقرار السياسي.
والمثير انه بدلا من البحث عن قواسم مشتركة للعمل السياسي واصلت حركة فتح وحلفاؤها دورة الاقصاء والتفرد بالقرار السياسي مع استمرار الرفض وتعطيل كل محاولة لاعادة بناء المنظمة وفق اسس ديمقراطية وانتخابية؛ لان النتيجة معروفة، ان احتكار التمثيل والقرار من قبل فتح سينتهي وقد تتعرض بعض القوى "عالية الصوت " الى الانقراض بدليل الانتخابات الطلابية التي افرزت كتلتين فقط وكتلة او اثنتين مجهريتين والاخرى اختفت.
والادهى ان قيادة فتح لا تستخدم (وحدانية التمثيل) من اجل اعادة الحقوق بل استغلته للتفريط بالحقوق في سابقة غريبة عالميا فدور القيادة في أي مكان هو الحفاظ على حقوق الشعوب وليس التفريط بها وليس ادل على ذلك مما قامت به قيادة المنظمة بالتنازل عن 78 % من ارض فلسطين في اتفاق اوسلو، ثم المساومة على حق العودة والتفاوض على ما تبقى من 22% من الارض، رغم ان القيادة الحالية للمنظمة لا تكتسب أي شرعية انتخابية بل تستمد كل شرعيتها من اعتراف غير الفلسطينيين بها بينما من حركة حماس التي انتخبت مباشرة من الشعب ترفض الولايات المتحدة التعامل معها وتفرض على الاقليم ذلك وتختار بنفسها ممثلين عن الشعب الفلسطيني في سابقة جديدة في تحديد الصفة التمثيلية للدول.
ان استمرار حركة فتح بذات السلوك في احتكار التمثيل والقرار السياسي الفلسطيني لن يكتب له الديمومة فالاستقواء بالخارج والمؤثر الدولي بناء على الدور الوظيفي انما هي عوامل مؤقتة ومتغيرة والخارطة السياسية للمنطقة لما تكتمل ولابد من قراءتها جيدا فما كان متاحا في السابق، امكانية تغييره ليست معدومة او مستحيلة.