تمر الذكرى الخامسة والستين للنكبة وحالة التشرذم والضعف العربي في تدهور مستمر رغم الثورات التي حدثت في بعض البلدان والتي لا زلنا نستبشر بها خيرا على المدى البعيد، ولكن المؤسف أن حالة النظام العربي عبر الجامعة العربية أضعف ما تكون وخاصة تجاه القضية الفلسطينية والتي تشكل قلقا كبيرا لهذا النظام، الذي بات لا يملك من أمره شيئا وأصبح أشبه بالقشة في مهب الريح تحركه مصالح خاصة وتحكم (بالرمونت كنترول) من قبل الإدارة الأمريكية تحت سوط التغيير أو الثورة، والتي لا تملك أمريكا من شأنها شيئا وهي ثورات شعبية وبقرار شعبي ولكنهم كأعجاز النخل الخاوية إذ يظنون أن كل صيحة عليهم.
رحلة التسول التي قام بها وفد الجامعة العربية إلى واشنطن من أجل تقديم التنازل عن حق الشعب الفلسطيني. هذا الحق الذي لا يملكه هؤلاء المتنازلون، بل هو حق يملكه فقط الشعب الفلسطيني الذي يرفض المبادرة العربية التي أُعلنت في القمة العربية في بيروت عام 2002، وزاد رفضه بعد محاولة إحياء هذه المبادرة الميتة من خلال مجاراة موقف عباس والموافقة على مبدأ تبادل الأراضي الذي توافق فيه مع اولمرت خلال رحلة التفاوض معه قبل صعود نتنياهو الذي رفض التعامل مع أية اتفاقات توصل إليها الطرفان.
اليوم يجري الحديث بين الكيان الصهيوني ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري حول مشروع الاعتراف بيهودية الدولة من قبل الدول العربية تحت أكذوبة قطع الشجرة التي صعد عليها نتنياهو من أجل النزول والانخراط بالعملية السلمية، ولن استغرب أن يوافق وفد الجامعة العربية وعلى رأسهم محمود عباس الذي لمح منذ زمن إلى أن من حق الكيان أن يسمي دولته ما يريد، ولن يتردد عباس ومن خلفه الجامعة العربية في الموافقة على طلب الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالكيان الصهيوني وفق حل الدولتين، على أن يكون الكيان دولة يهودية وهذا ما يشكل خطرا على الفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين المحتلة والمقدر عددهم بمليون ونصف المليون فلسطيني ويؤدي إلى اكبر عملية ترحيل جماعي ( ترانسفير ) وفق هذا الاعتراف العربي بيهودية الدولة وان ليس من حق غير اليهودي من العيش في دولة يهود وطالما أن هناك دولة فلسطينية وعلى الفلسطينيين الذهاب إلى دولتهم وترك اليهود يعيشون على أرضهم في دولتهم وفق حل الدولتين القائم على دولة يهودية لليهود وأخرى للعرب الفلسطينيين وفق القسمة الرقمية التي طرحها عباس في خطاب الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه الأخير الذي حدد فيه المساحة الجغرافية للدولة الفلسطينية في 22% من مساحة فلسطين التاريخية وللمغتصب 78% مع إمكانية إجراء تبادل للأراضي لأنه يتفهم الواقع الموجود على الأرض!.
على مدى خمسة وستين عاما لم تتمكن دولة الاغتصاب ومساندوها من الحصول على هذا الموقف العربي وهم يحاولون الآن الحصول على هذا التنازل الأولي لأنه سيتبعه تنازلات من قبل من لا يملك لمن لا يستحق ترسيخا لوعد بلفور الأول وخلق وعد بلفور ثان عربيا أسوأ من الأول، خاصة أن أمريكا تصارع الزمن لفرض أمر واقع معترف به لهذا الكيان الذي لا مكان له على هذه الأرض؛ ولكن طالما أن أهله قبلوا به والنظام العربي القائم يقبل به هذا يعني أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية هو زيادة عمر هذا الكيان لسنوات أكثر مما يتوقع؛ ولكن هاجس الزوال يسيطر على قادة الاحتلال وتشعر به أمريكا فالصراع ليس على حدود بل على وجود، وهذا الوجود للكيان الصهيوني ليس وجودا منطقيا ولا تاريخيا ولا سياسيا بل هو طارئ سيزول بزوال العوامل التي أوجدته.
في ذكرى النكبة نقول أن فلسطين لا تقبل القسمة وهي حق كامل للشعب الفلسطيني الذي لازال يدفع ثمن تمسكه بأرضه وحقوقه وبالشهداء والدماء والأسرى ويتحمل التشريد والتعذيب والتهجير ليس حبا في العذاب أو الألم بل من أجل تحرير الأرض وطرد الغاصب وعودة الإنسان لإقامة الدولة على كامل الحدود المعروفة تاريخيا وجغرافيا وسياسيا وسؤال أطرحه اليوم وطرحته أمام الكثير من الصحفيين والباحثين والسياسيين الأوروبيين ممن قابلتهم خلال الفترة القريبة عندما يسألون عن دولة الاحتلال وأين ستذهب إذا كان كل فلسطين للفلسطينيين، أقول لهم: أسألوا التاريخ والأوراق السياسية والمعاهدات الدولية قبل قيام الكيان الغاصب هل كان لهذا الكيان وجود؟ إن هذه الأرض لا تعرف اسما لها إلا اسم فلسطين وهذا يعني أن ما يسمى بـ (إسرائيل) هو اسم طارئ وليس هذا مكانها وأن فلسطين للفلسطينيين وليست قابلة للقسمة بين دولتين ويجب أن تعود لأهلها.