باختصار، ومن دون فذلكة كلمات أو تنميق شعارات، فإن أي مقاربة لاعتماد صيغة للحل أو رؤية لتسوية الأزمة السورية ينبغي أن ترتكز على قاعدة الحرص الأكيد على الوقف العاجل لشلالات الدماء السورية النازفة، والإسراع بوقف المجازر المفجعة التي تزهق فيها أرواح الأبرياء بدم بارد صباح مساء.
عنصر الوقت بالغ الأهمية في مضمار طرح أي مقاربة للحل، فهذه الدماء الغالية المهراقة التي تسفك على رؤوس الأشهاد، ويتم توثيقها في مشاهد مجلجلة تتفطر لها القلوب ويندى لها جبين الإنسانية، أمانة بالغة ومسؤولية عظمى في رقبة الجميع دون استثناء، وسيبوء كل من يعطل حل الأزمة السورية ويسهم في تأجيجها وإطالة أمد آلامها ومعاناتها بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لكل ثورة سمتها وخصوصياتها، ولكل أزمة ظروفها ومعطياتها، وها هنا فإن المعطيات الخاصة بالأزمة السورية تؤكد أن الأوضاع تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، وليس من مصلحة أحد، باستثناء (إسرائيل) والإدارة الأمريكية والدول الغربية، استمرار مفاعيلها وتواصل نزف الدماء فيها، ما يقتضي ضرورة توفير كل الأجواء والمناخات لإنجاح جهود حل الأزمة باتجاه تكريس صيغة سياسية مقبولة تلبي مطالب الشعب السوري المشروعة في الحرية والعدالة والكرامة الوطنية.
تفحّص معطيات وتضاريس الأزمة السورية يؤشر إلى توفر أرضية الحل على أساس إقليمي دولي، وإمكانية بلوغ تسوية مرضية للجرح السوري المفتوح، بما يحقن الدماء السورية، ويكبح آلة القتل والدمار المجنونة التي تطحن عظام الأطفال والنساء والشيوخ دون رحمة، ويقي سوريا من مخططات التقسيم والتفتيت والتجزئة التي لا تسعد سوى (إسرائيل) وأعداء الأمة.
مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده الشهر المقبل للبحث في سبل وآليات حل الأزمة السورية برعاية إقليمية ودولية، وبمشاركة النظام والمعارضة السورية، والأطراف المؤثرة في الأزمة، وخصوصا إيران وروسيا اللتان تشكلان مربط الفرس في دعم النظام وحل الأزمة، يشكل فرصة كبيرة لطيّ ملف الأزمة، والتفرغ لمداواة الجراح وإعمار البلد المنكوب، وإعادة صياغة وترتيب البيت السوري الداخلي ومؤسساته السياسية والأمنية على أسس توافقية جديدة.
بين يدي مؤتمر جنيف 2 يتداول الوسط السياسي المختص بالأزمة السورية خطة تركية سيتم طرحها على المؤتمر، وتنص على جملة مقترحات من بينها تشكيل حكومة انتقالية مشتركة، ومن المنتظر أن يتم تسويقها عبر رئيس الوزراء التركي "أردوغان" من خلال جولة على العواصم المؤثرة قريبا، في ذات الوقت الذي قدم فيه معاذ الخطيب رئيس ائتلاف المعارضة المستقيل خريطة طريق تنص على إقامة نظام سياسي ديمقراطي ينبني على انخراط جدي في عملية سياسية حقيقية تبدأ بسحب الجيش النظامي إلى ثكناته، وإطلاق سراح كل المعتقلين، وفتح الأبواب أمام دخول المساعدات إلى كل المناطق السورية بدون استثناء، والسماح بالتظاهر السلمي، والبدء بعودة اللاجئين والمهجرين السوريين.
إعادة الأمن والسلام إلى الشعب السوري الأصيل والربوع السورية العزيزة، ودوام استمرار سوريا في لعب دورها الإقليمي المشرف في وجه الكيان الصهيوني البغيض ومخططاته العدوانية في المنطقة، ومواجهة الأصابع الخارجية العابثة التي تستهدف تدمير سوريا ومقدراتها الاستراتيجية، تشكل كلمة السر وراء أي صيغة توافقية لحل الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة التي تمس الأمة جمعاء.
قد تكون المرحلة الانتقالية في سوريا برسم التوافق السياسي، لكن الشعب السوري سوف يكون له قراره الفصل وكلمته الحاسمة فيما بعد داخل صناديق الاقتراع.
ليطمئن كل الحريصون على الثورة السورية، فعجلة التاريخ لن تعود أبدا إلى الوراء.