مضت 49 عاما على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ولا يزال أعضاء لجنتها التنفيذية "جاثمين على صدرها" في حين تعاني مؤسساتها مظاهر الترهل والشيخوخة إلى جانب ضعف صلتها بالفلسطينيين داخل الوطن المحتل وخارجه فضلا على عجزها عن احتضان مختلف الفصائل والقوى الفعالة في الشعب الفلسطيني.
ويأتي ذلك كله وسط دعوات إلى إعادة هيكلة المنظمة وتفعيلها لتصبح المظلة السياسية والقانونية لمختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، وذلك بعد إجراء انتخابات عامة لاختيار أعضاء المجلس الوطني المقبل بما يمكن مختلف فئات المجتمع في الوطن المحتل والشتات من اختيار ممثليهم بكل نزاهة وشفافية.
يذكر أن ملف تفعيل منظمة التحرير وتطويرها من أحد أهم الملفات الست التي جرى الاتفاق بين الفصائل في القاهرة على إنجازها، ولكن ملف المنظمة بقي عالقا كما الملفات الأخرى لتدق الذكرى السنوية لتأسيس المنظمة أجراس التذكير.
مجرد أرقام
ولم يقتصر انتقاد أداء "التحرير" وأعضاء تنفيذيتها على من هم خارج إطارها بل جاء من أكبر فصيل فيها ومن مستويات عليا في قيادة حركة فتح، وذلك بعد أن هاجم عضو اللجنة المركزية لفتح توفيق الطيراوي اللجنة التنفيذية للمنظمة، مؤكدا أنها أصبحت مجرد أرقام دون أي تأثير.
وقال الطيراوي خلال احتفال في ذكرى تأسيس م.ت.ف: "لا أحد في (التنفيذية) يتجرأ على قول لا ضد أي قضية"، مضيفا: "هناك 20 قضية مرت علينا دون أن يعترض أحد: اتفاق الأردن بالنسبة إلى القدس، والجهود التي يجريها كيري، ومفاوضات عضو اللجنة ياسر عبد ربه، وأخرى".
ويتبنى رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس علانية سياسة التفاوض مع الاحتلال باعتبارها إستراتيجية له ولحركته التي تسيطر على منظمة التحرير، والأخيرة لا تدخل في إطارها عدة حركات تتبنى المقاومة على رأسها حماس والجهاد الإسلامي التي تطالب بدورها بإعادة بناء المنظمة بعدما ترهلت مؤسساتها وانصهرت في السلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو.
الانضواء تحت إطارها!
غسان الشكعة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اعتبر بدوره أن المنظمة رغم كل ما اعتراها من "مشكلات" فإن رسالتها لا تزال قائمة "ومسؤولياتها موجودة"، مستدركا: "قد تكون هناك عقبات ومنغصات داخلية وأخرى عربية ودولية".
وذكر الشكعة لـ"الرسالة نت" أن دور المنظمة بعد الاعتراف بها ممثلا وحيد عن الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده بقي ناقصا بناء على أن هناك قوى وطنية وإسلامية لا تزال خارج إطارها الموجود حاليا، مشددا على ضرورة البحث عن آلية لانضواء تلك القوى تحت لوائها.
وأوضح أن الانتخابات هي الأساس لصهر الأطراف كافة تحت إطار المنظمة أكانت فصائل أم مستقلين، لافتا إلى أن ذلك من شأنه تعزيز الموقف والإستراتيجية "للوقوف صفا واحدا أمام الاحتلال وصولا إلى تحقيق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال".
ورغم أن أحمد يوسف المستشار السابق لرئيس الوزراء لم ينكر الدور الذي لعبته منظمة التحرير على مدار السنوات الطويلة "على الأقل في قضية الهوية الفلسطينية ورعاية فلسطينيي الشتات والإسهام في استقرار جزئي لكثير من اللاجئين في معسكرات لبنان والأردن"، فإنه يرى أن كل هذه إنجازات بسيطة ومحدودة قياسا مع حجم الهم الفلسطيني.
وأعرب يوسف خلال حديثه لـ"الرسالة نت" عن أسفه لأن المجلس الوطني مجمد منذ أكثر من 15 عاما "بعد أن كان يتابع تفاصيل الشأن والمواقف والتقديرات السياسية"، مؤكدا أن "غياب المجلس أضعف هيبة المنظمة ودورها".
وقال: "السلطة منذ مجيئها تغولت على الدور الذي كانت تلعبه منظمة التحرير باعتبارها الحاضن للشعب والقضية ما أدى إلى تراجع دور الأخيرة، فبدأت السلطة تأخذ دور المنظمة"، داعيا إلى عودة الدور السابق لــ"م. ت. ف." حتى تساهم في تحقيق استقرار جزئي للاجئين الفلسطينيين في العالم.
تفعيل المنظمة وتطويرها
وفيما يخص تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها، أكد الشكعة أن ذلك مرتبط بإنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام.
أما يوسف فشدد على أن المنظمة تحتاج عملية إصلاح وهيكلة حتى تؤدي الدور المطلوب منها، لافتا إلى أنها لا تزال تراوح مكانها رغم الاتفاقات التي نصت على إعادة تفعيلها في أسرع وقت.
وقال: "دون وجود القوى الوطنية والإسلامية في المنظمة خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي فإنه لا قيمة لها"، مشددا على أهمية انتخاب مجلس وطني يكون العمود الفقري لعمل "التحرير" وتفعيلها "حتى تبقى العنوان الذي يقصده كل فلسطينيي الوطن والشتات".
وعاد الشكعة ليعلق على الهجوم الذي شنه الطيراوي على تنفيذية المنظمة، فاعتبر أنها وجهة نظره الخاصة، "لكنها منقوصة"، معبرا في الوقت نفسه عن تحفظه على كل ما ذكره الطيراوي.
وقال: "ليس من آداب الجلسة الرد على الطيراوي أو من لف لفه بإطلاق ألفاظ مماثلة"، مضيفا: "الخلل ليس في منظمة التحرير بل في أي جهة أخرى لا تتلاءم والمسؤولية الوطنية والدينية قبل كل شيء في سبيل إنجاز المشروع الفلسطيني".
وفي السياق، الشكعة ذكر أن اللجنة التنفيذية للمنظمة ستناقش في جلستها القادمة موقف الطيراوي "إضافة إلى الكلام الذي يلقى دون إثبات أو أسباب حقيقية".
أما يوسف فقال إن المقصود من كلام الطيراوي مجموعة من الوجوه التي أصبحت كأنها هي "منظمة التحرير فقط"، منبها إلى أنه من المفترض انبثاق اللجنة تنفيذية عن المجلس الوطني لتعبر عن كل ألوان الطيف الفلسطيني وتعكس وجهة نظر الفصائل كافة.
وأوضح المستشار السابق أن "التنفيذية" أصبحت حكرا على جماعة معينة، "وكثير من أعضائها فقدوا شرعيتهم لوجودهم أكثر من 17 عاما دون أي تغيير ديمقراطي".
وأضاف: "التنفيذية تتضايق من أي انتقاد لتقصيرها فيما هو مطلوب منها اتجاه الشعب والقضية، بل أصبحت تخدم أجندة تصب في اتجاهات حزبية معينة لا أكثر".