يزدحم سوق الدراسات العليا محليا وعربيا بالدراسين والباحثين بعد أن أصبحت شهادة الماجستير والدكتوراه مثل رخصة القيادة.
ورغم ذلك لم تفارقنا ألقاب مثل: دول العالم الثالث، النامية، المتخلفة، ولا زلنا نأكل مما يزرع غيرنا، ونلبس مما يصنع الآخرون.
محليا ورغم تكدس آلاف رسائل الماجستير والدكتوراه على رفوف المكتبات وارتفاع أعداد خريجي الدراسات العليا من جامعات الداخل والخارج في مختلف العلوم، إلا أننا لم نستفد عمليا في حياتنا من نتائج هذه الأبحاث، وأصبح أصحابها أشبه بالكتبة على أبواب المحاكم، والمصالح الحكومية، يعبئون نفس النماذج والطلبات مع تغيير الأسماء فقط.
وعلى سبيل المثال لم تكشف لنا دراسة كيف نزرع بطيخا في المحررات كما زرعها المستوطن (الإسرائيلي) في نفس الأرض، فكانت بطيخته الاستيطانية بحجم خمس بطيخات وطنية.
وإذا كان الاحتلال يحتل مركزا متقدما من القوة العسكرية في الشرق الأوسط، فإن القوة العلمية هي ذراعه الأطول بحيث تعتبر أسرار الهندسة الزراعية و"الهايتك" لديه أخطر من أسرار مفاعل ديمونا.
ويعود الفضل في إنجاز الآلاف من رسائلنا العلمية إلى العم جوجل، بعدما انبطح طلابها على بطونهم يبحثون في حدود شاشة الكمبيوتر، ناهيك عن المؤسسات المتخصصة ببيع الرسائل العلمية الجاهزة.
في بداية عملي في صحيفة الرسالة زارنا باحث فرنسي للتحري حول ثلاثة أعداد من الصحيفة لإتمام بحث حول الحركات الاسلامية، ولا أخفيكم أني في البداية "استخفيت عقله" كونه جاء من فرنسا إلى غزة يلهث خلف الأعداد الثلاثة، لكني أرشدته إلى مكان الأرشيف وهو عبارة عن كومة كبيرة من الورق في زاوية من مطبخ المؤسسة، تعلوه كميات من الأتربة كافية أن تصيبه بمرض السل، وجلس الرجل في المطبخ لساعات ينقب حتى جاء متهلل الاسارير، فيما زين الغبار شعره، وقد وجد مبتغاه، وشكرني كثيرا لأني ساعدته في الحصول على الأعداد الثمينة، فيما كان واجبي أن أشكره لأنه نفض الغبار عن الأرشيف.. ثم قدم لي بطاقته التعريفية لأكتشف أنه بروفسور في جامعة ليون بفرنسا.
وعلى ذكر فرنسا.. يمكن أن نعزو خلفيات التخلف البحثي والعلمي العربي الى الحملات الصليبية التي قام بها أوروبيون من أواخر القرن الحادي عشر والحملات الاستعمارية في القرن السابع عشر إلى التاسع عشر، حيث قاموا بنزع الجينات الوراثية المسئولة عن النبوغ والتفكير، وتركوا لنا الجينات المسئولة عن طول اللسان فقط.
فيما واصلت أنظمتنا العربية الحملات الاستحمارية ضد شعوبها حتى أصبحنا أمة ضحكت من جهلها الامم.
وأمام ظاهرة العجز العلمي وعقم النتائج البحثية، وبعدما غلبت السمات الواطية على الدراسات العليا، أقترح عنوانا يصلح لمشكلة بحثية حول: "أسباب ظهور جينات التياسة لدى أبنائنا ابتداء من الحضانة حتى الجامعة".
وينبغي أن يتقدم أساتذة ودكاترة دراسات "حش وارمي" بعريضة اعتذار إلى: ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية، وابن الهيثم أبو علم البصريات، وابن رَبّن الطبري رائد الطب النفسي، وابن زهر رائد علم الأورام، وابن سينا شيخ الأطباء، وابن مأسويه رائد طب العيون، وابن وافد رائد الأدوية المفردة، والرازى أبو علم الطب، وغيرهم.
وبعد الاعتذار يجب أن نتوقف عن التغني بأمجادهم، ولا نطبق المثل الشعبي: "القرعة تتباهى بشعر أختها".