مقال: زيارتي مخيماتِ "جيل العودة"

ابراهيم المدهون
ابراهيم المدهون

إبراهيم المدهون

تنظم حركة حماس مخيمات صيفية للأطفال في المرحلتين الابتدائية والإعدادية بمشاركة عشرات الآلاف من الطلاب على امتداد قطاع غزة، إذ أعلن المنظمون أن هناك أكثر من 100 ألف طفل وطفلة يشاركون في مخيمات جيل العودة في محافظات غزة.

ونفذت في الأمس جولة استكشافية لهذه المخيمات التي حملت عنوان جيل العودة، وللاسم وحده وقعٌ خاص في نفوس الفلسطينيين، فهو يمثل الحلم الكبير لشعبنا في الداخل والشتات، لأنه يزرع في الطالب معاني ومصطلحات غاية في الأهمية.

كلمة جيل تغرس في الطفل أمانة الاستمرار للعمل على الرجوع إلى بلاده وأنه ينتمي إلى جيل ورث هما كبيرا، والعودة تعني أن هناك وطنا مسلوبا يجب أن نعود إليه، وأن وجودنا هنا حالة طارئة وغير طبيعية، ثم تتفتح أمام المشاركين الصغار أسماء المدن والقرى والبيوت والخرائط.

خلال زيارتي هذه المخيمات سألت الأطفال: ماذا تتعلمون هنا؟، فأجابوني بمفهوم واحد: نتعلم أن نعود إلى بلادنا. وحين أسال الطفل: ما بلدك؟، فيجيب بتلقائية متناهية عن اسم بلدة كان جده أو جد والده قد هُجر منها عام 1948. يجيب: أنا من قرية حمامة أو بربة أو يافا أو المجدل وأسدود وما إلى ذلك من أسماء البلدات فلسطينية.

لاحظت الروح التي يتعامل فيها المرشدون والمشرفون على المخيم وهم مجموعة كبيرة من المتطوعين الذين لا يتلقون الرواتب، ولكن حماستهم الشديدة لنقل الفكرة الكبيرة إلى هؤلاء الأطفال تعطيهم دافعيةً للعمل بحب ومتعة.

شاهدت برامج إبداعية تربط الطفل مباشرةً بوطنه، فعلى شاطئ بحر غزة كان هناك مخيم يضم مئات من الطلاب بزيهم الأبيض أعدوا رسومات تشكيلية بالرمال لخريطة فلسطين من البحر للنهر، وعلمها المزركش بالألوان الأربعة، ومفتاح كبير كرمز للعودة، وهذه الأشكال يبنيها الطلاب أنفسهم ويرسمونها.

كما شاهدت مجموعة من الأطفال يركبون أوراقا مجزأة، فوقفت أنظر إلى ما يفعلون فصاح الطالب فرحا وضرب كفه بكف زميله: لقد اكتملت فلسطين.

واللعبة رسمة مجزأة لفلسطين يركبها الطلاب بشكل صحيح، وحين سألته عن معالمها أجاب بفخر: هذه القدس، وهنا الخليل، وهذه يافا.

كما وجدت في المخيم مساحات واسعة للترفيه، فالطلاب يبتسمون بعفويتهم ويلعبون ألعابا مختلفة رياضية وفنية، وهناك الكثير من الألعاب المسلية التي تبهجهم كالأراجيح والألعاب الكبيرة.

تميزت هذه المخيمات أيضا بإقبال شديد من الأهالي، فالعدد يتزايد يوميا. لمحت البهجة والسرور على طلاب المخيمات، ووجدت فيهم شرائح متنوعة من المجتمع، فلقد مثلت كل أطياف الشعب، ويكاد لا يوجد بيت لم يرسل أطفاله ليلتحقوا بجيل العودة.

إن غرس فكرة العودة في هذا الجيل ستثمر حتما عودةً إلى مدننا وبلداتنا وقرانا، فجيل يتشرب حقه وهو صغير ويتعلم طريقه لا يُهزم، فما أجملها من لمحة حين وجدت مجموعةً من كبار السن ممن شهدوا النكبة وذاقوا مرارتها يلتف حولهم الصغار فيحدثونهم عن بيوتهم وبياراتهم وأسماء الشوارع وكيف احتلها الصهاينة!.. ويغرسون قصة فلسطين من بدايتها ويختتمون حديثهم بـ"على عاتقكم تحريرها".

مخيمات جيل العودة تُبطل بهذه الروح والمشاركة والأفكار الفكرة الخبيثة التي تبناها ساسة الصهاينة: "الكبار سيموتون والصغار سينسون"، فصغارنا لا ينسون، وهذا الجيل يعلم حقا أن عودته حتمية.

 

البث المباشر