يسعون لتحقيق ذاتهم

رجال ونساء يعودون لمقاعد الدراسة في أعمار متقدمة

غزة _آلاء النمر

توجهت الطالبة الأربعينية راوية الحلو "أم العبد" إلى مدرسة بشير الريس لكي تبدأ أول أيامها الدراسية بعد انقطاع عن الدراسة دام ثلاثة وعشرون عاما، تاركة خلفها أبنائها التسعة في المنزل بغية تحقيق هدفها النابع من غيرتها من زوجها "أبو العبد" الذي أكمل تعليمه بعد ثلاثين عاما من الانقطاع.

وتميزت فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص بوجود أكبر نسبة متعلمين على مستوى العالم العربي والإسلامي إذ لم يقتصر التعلم على الطلاب النظاميين فحسب بل تعدى حدوده إلى كبار السن من الرجال والنساء.

عودة متأخرة

نماذج كبار السن العائدين لمقاعد الدراسة لمحو أميتهم تتزايد في المجتمع الغزي.

وتقول الطالبة الحلو "التعليم يرفع من شأن الفرد أمام المجتمع، فأنا كنت أعمل في تحفيظ القرآن ، وتركته لأتفرغ لدراسة التوجيهي وسأعود بعد هذه السنة"، واصفة العودة إلى مقاعد الدراسة بأصعب وقت مرّ عليها لأنها عادت إليها بعد انقطاع دام 23عاما ، وتحاول التوفيق بين دراستها وبيتها .

وتجد أم العبد تعاونا من أبنائها من ناحية تحمل المسؤولية، ومساعدتها في بعض الدروس الصعبة، ولعل شعور"أم العبد" بالغيرة من زوجها الذي أكمل تعليمه في فترة المتأخرة بعد انقطاع 30عاما ، كان سببا في التحاقها بمقاعد الدراسة من جديد .

يُشار إلى أن زوجها تقدم لامتحانات الثانوية العامة برفقة ابنه الأكبر ، فأصبحت تربطه علاقة الزمالة بابنه،وبعد نجاحه وابنه في الثانوية العامة لم يتأخر "أبو العبد" في الالتحاق بكلية المجتمع ليتخصص في مجال الخدمة الاجتماعية، ويوشك على التخرج مع أبنائه الذين يدرسون في ذات الكلية.

السمو بالعلم والتنافس عليه أصبح هدفاً لعائلة "أبو العبد" الذي قال " أعمل في ورشة صيانة تبريد وتكييف، وبعد إكمال تعليمي ربما أحصل على وظيفة لأعمل على تأمين مستقبل أسرتي فمنهم من يريد أن يتزوج ومنهم من يريد أن يتعلم".

يتحدون واقعهم

أما الطالبة فاطمة زينوا فتمثل نموذجا يختلف عن سابقيه فلقد تزوجت وهي صغيرة ولم تكمل تعليمها بالرغم من تفوقها في المدرسة لكن إصرار والدها على زواجها جعلها تنقطع عنها "

فاطمة التي تكنى بأم عبد الله تبلغ الثلاثين من عمرها وحصلت على شهادة الثانوية العامة بعد إنجابها ستة أطفال أكبرهم في المرحلة الإعدادية، ويصغرهم طفل رضيع .

وبالرغم من تلك المسؤولية الكبيرة والصعبة إلا أن "أم عبد الله" تحدّت الواقع وسارت في الطريق الصعب لتحصل في نهاية المطاف على معدل  75.3 في الثانوية العامة من مدرسة الزهرة الثانوية .

وبحسب أم عبد الله فإن أطفالها لم يكونوا عائقا أمام دراستها ، فكانت دائما تحرص على ألا يشعروا بفرق في الاهتمام ، حتى أنها كانت تخفي كتبها عند عودة زوجها من عمله لكي لا يشعر بأي إهمال.

وتتحدث بأن المفاجأة كانت يوم خروج النتائج ، عندما دخل زوجها وهو يحمل الحلوى ، وليفاجئها أيضا بتغير أثاث منزلها تقديرا لما بذلته من جهد .

وتصف فاطمة  ذالك العام بالتاريخي في حياتها ، علاوة على أنها مثلت لها صراعا في مواجهة صعوبات الدراسة وتربية الأبناء  .

وبمجرد ظهور النتائج بدأت في خوض جولة جديدة من محاولات إقناع زوجها لإكمال دراستها الجامعية، بعدها سارع لدفع رسوم الفصل الجديد لتلتحق بالكلية الجامعية ،وتصبح بعدها الممرضة أم عبد الله.

حال أم عبد الله شكل حافزا لشقيقاتها المتزوجات ليسلكن ذات الدرب، حتى أن زوجها انضم إلى صفوف الثانوية العامة لهذا العام.

أعداد كبيرة

وفي هذا الصدد أكد زهير سالم مدير التعليم العالي في وزارة التربية والتعليم على أن  نسبة المتعلمين من كبار السن قد زادت خلال الفترة الأخيرة على مستوى الذكور والإناث والتي تتراوح أعمارهم مابين 20عاما إلى 60عاما،موضحا أن السبب هو تحقيق الذات عندهم بين مجتمعهم.

وأشار سالم إلى أن الطلاب المتقدمين للدراسة في أعمار متقدمة يأتون إلى مقاعد الدراسة بهمة يرافقها هدف الواثق بنفسه، لافتا إلى أنهم يثبتون ذلك على أرض الواقع من حيث تجاوز فئة كبيرة من المتقدمين للثانوية العامة الدراسة الجامعية والدراسات العليا .

و أشارت الإحصائيات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم أن  660شخصاً من بينهم 502 ذكور و164إناث تقدموا لإكمال دراستهم في المدارس الحكومية .

بينما تقدم للمؤسسات غير الحكومية نحو ما يقارب 579 شخصاً من بينهم 309 إناث 270ذكور .

أما فيما يخص الدراسات الخاصة المسائية الحكومية تقدم لها ما يقارب 1524شخص من بينهم 930من الذكور و 594من الإناث.

و تشمل جميع المديريات في القطاع بدوام رسمي بعد انتهاء دوام الفترة الصباحية وذلك بين الساعة 11صباحا إلى الساعة2والنصف ظهرا .

تحصيل دراسي متميز

وبدورها ذكرت مديرة مدرسة "الزهرة" والتي رفضت الكشف عن أسمها أن الوضع العام للطلاب المتقدمين هو الرغبة في التحصيل الدراسي المتميز والذي يختلف تماما عن التحصيل الدراسي للطلاب النظامين.

وأرجعت السبب في ذلك أن الطلاب النظاميين يحضرون للمدرسة مجبرين ، فلم يكن دافعهم للدراسة نابع من داخلهم بل هو وضع روتيني بالنسبة لهم ، لكن طلاب الدراسات المسائية يأتون وقد وضعوا هدف أمام أعينهم.

وتقول مديرة المدرسة التي تض مدرستها 213طالبة ممن تقدمن للدراسات المسائية "نحن نساعد طلاب الدراسات بحيث خصصنا لهم الأساتذة الأكفاء من خارج المدرسة بالإضافة إلى التشجيع الكبير الذي نقدمه لهم سواء من إدارة المدرسة أو من جهة وزارة التربية والتعلبم .

 

 

البث المباشر