أعلنت (إسرائيل) رسميا على لسان أحد قادتها أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فشل في تحقيق تقارب فلسطيني-(إسرائيلي) وأن مهمته انتهت دون أن تحقق النتائج المرجوة منها وهي العودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
ما أعلن عنه الصهاينة لم يكن مفاجئا بل كانت هذه النتيجة المتوقعة منذ اللحظة الأولى من جولة كيري في المنطقة، ولذلك أسباب كثيرة لعل من أهمها أن الإدارة الأمريكية لا تحمل مشروعا جديدا يمكن أن يحقق توازنا في الموقف الأمريكي، أو جديدا يمكن أن يعول عليه، كما إن أمريكا دخلت وسيطا بين الجانبين.
وكان من المفروض أن يكون هذا الوسيط نزيها أو محايدا، ولكن الأمر كان على عكس ذلك، فرغم أن تحركات كيري جاءت بعد فوز أوباما بولاية ثانية حررته على الأقل من الناحية الشكلية من قيود اللوبي الصهيوني فإن الإدارة الأمريكية بقيت على انحيازها الكامل إلى جانب الاحتلال الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني، وإضافة إلى ذلك ما حمله كيري إلى المنطقة لم يكن إلا المشروع الصهيوني الذي حدده نتنياهو في ولايته الأولى في خطابه الشهير في جامعة بار أيلان.
لذلك كيري حمل الفشل منذ اللحظة الأولى، ولكن الرجل كان يأمل أن يجد لدى الفلسطينيين ما يمكن أن يقدموه من أجل أن يقنع نتنياهو بقبول الجلوس مع الفلسطينيين من أجل الوصول إلى تسوية ناسيا أنه لم يعد مع الفلسطينيين أي ورقة يمكن أن يساوموا عليها وأنهم نفذوا كل ما طلب منهم، وآخر ذلك ما فعله العرب نيابة عنهم من إحياء للمبادرة العربية، بل أضافوا عليها فكرة تبادل الأراضي، وهي الفكرة التي طالبت بها الإدارة الأمريكية الجانب الفلسطيني والعربي من أجل إرضاء نتنياهو ومساعدته على الهبوط عن الشجرة وفق ما جرى من حديث بين كيري وتسيبي ليفني.
حتى مشروع كيري حول السيطرة الأمنية الثلاثية المشتركة على منطقة غور الأردن لم تقنع نتنياهو وتشكل له دافعا نحو العودة إلى طاولة المفاوضات رغم أن المشروع يخدم فكرة السيطرة الصهيونية على منطقة الغور الخط الحدودي الأطول مع فلسطين المحتلة من عام 48.
سعت الإدارة الأمريكية خلال جولتها إلى تحقيق مطلب الاعتراف بيهودية الدولة أكان ذلك من العرب أو الفلسطينيين دون أن يكون هناك أي ضمانات أو تعهدات بوصول الطرفين إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى نتيجة مفادها إقامة الدولة الفلسطينية على أقل من 22% من مساحة فلسطين التاريخية مع فكرة تبادل الأراضي بين الجانبين بما يضمن ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى داخل حدود الكيان في حال تم بالفعل إقامة دولة فلسطينية وأخرى يهودية.
وحتى لو نفذ الفلسطينيون هذا الشرط ومعهم العرب، فلن يعترف قادة الاحتلال بدولة فلسطينية، وذلك لأنه لا يوجد ما يجبرهم على ذلك، فالفلسطينيون لا يملكون أي ورقة ضغط في ظل الانقسام وملاحقة المقاومة وتقديم أدنى سقف لهم 22%.
أمريكا منحازة بالكلية إلى جانب الاحتلال، والملف الفلسطيني (الإسرائيلي) ليس أولوية مقابل جنوب شرق آسيا.
الفعل العربي غائب ضعيف متهاو، وعليه: لماذا لا يتمادون في مشروعهم إلى أبعد الحدود وينفذونه بسرعة قبل أي تغيير في المنطقة قد يشكل تهديدا لهم في المستقبل.
فشل المساعي الأمريكية ناتج عن تعنت صهيوني أحبط مشروع التسوية مرة أخرى، إذن: كيف يمكن أن نواجه نحن الفلسطينيين هذه الحالة؟.
نرى أن الحل يكمن في حوار فلسطيني-فلسطيني شامل على قاعدة حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته وتعزيز وحدة الصف بعد أن تعلن السلطة إخفاق مشروع التسوية نتيجة تعنت الجانب الصهيوني.
هذا الحوار الفلسطيني يجب أن ينتهي بإستراتيجية فلسطينية ترسم خريطة طريق لكيفية التعامل مع المخطط الصهيوني، وهذه الخريطة يجب أن تفعل كل أدواتها، وعلى رأس هذه الأدوات المقاومة المسلحة رغم الأثمان التي ستدفع مقابل ذلك إلى جانب ضرورة أن تقطع السلطة علاقاتها المالية من الولايات المتحدة والغرب، ثم العودة إلى تفعيل البعد العربي المنقطع والمستخدم في السابق من أجل تمرير الهبوط الفلسطيني في المواقف والتنازلات، وكذلك تفعيل البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية بعد تحميل كل الأطراف المسؤولية الكاملة بعد طول غياب.