لا احد يختلف أن محمد عساف مطرب متمكن صاحب صوت جميل، ويغني في معظم الأحيان أغاني وطنية، ويمتلك موهبة غنائية مؤثرة، وإنه -وإن كان فلسطينيا له كل الاحترام والتقدير- لكنه يمثل نفسه وموهبته في برنامج شخصي بعيدا عن الحجم الكبير والتجاذبات الصاخبة، وهو لا يعرض نفسه انه يمثل القضية وفلسطين وان كان يعتز بفلسطينيته ومدينته وبيته وهو ما يحسب له.
هناك من يظن ان الفن أمر معيب او تافه وهنا لنا وقفة مغايرة، الفن من أخطر وأهم ما يشكل وجدان الناس ويؤثر بهم، ولهذا تحول الشاب محمد عساف لقضية رأي عام، فلا أوافق من يعتبر ان هذه القضايا هامشية ولا ترتقي للكتابة عنها والتفحص بها، فهذا التفكير دفن للرأس في التراب وعدم معرفة لطبيعة الاشياء ومدى أهميتها لدى الناس، وهي عزلة سلبية عن توجهات الجمهور ورغباته واهتماماته، فيتحول صاحب هذا التفكير وكأنه يعيش بكوكب آخر.
فلا سياسة بدون فن وغناء وتمثيل وسينما، ولا مجتمع حداثي من غير ان يستخدم هذه الأدوات لصالحه العام ولقضيته المحورية، فقدرة هؤلاء على الوصول للناس والتأثير بهم وتجييش عواطفهم وإدخال البسمة على قلوبهم كبيرة جدا، بل هم عامل أساسي في تشكيل وعيهم ووجدانهم أيضا.
من حق المحبين لعساف والمعجبين بصوته أن يدعموه وتفرحوا به ويشجعوه وينتظروه، ولقد تفاجأت حينما ذهبت لإحدى الاستراحات على البحر فلم أجدها كعادتها مزدحمة، فقال لي قاطع التذاكر ان سبب ذلك يعود لتزامن وقت برنامج محمد عساف في عرب ايدول.
إن انتقاد محمد عساف وإصدار بعض الفتاوي والمبالغة بالحديث عنه لن يضره ولن يقلل من جماهيريته، بل اعتقد ان كل ذلك يصب لصالحه، وتمنيت ان نتعامل مع هكذا ظواهر بنوع من الحكمة والموعظة الحسنة، فلو تم السكوت عنه او حتى الترحيب به ودعوته للاهتمام بدعم القضايا العادلة للشعب الفلسطيني، وتحذيره من مخاطر الوسط الموبوء للفنانين العرب، فهذا أفضل من تسفيهه والمناداة بمنع الناس للتصويت له، فالفلسطينيون تواقون لشيء ينسيهم قليلا من مآسيهم وأحزانهم.
حركة فتح وجمهورها تعامل بشكل سيء مع نجاح محمد عساف وحاول تسييس القضية بطريقة ساذجة، حيث تم المبالغة بالتعظيم والاندفاع وأخرج الموضوع عن سياقه، ونشرت مواقعهم وصفحاتهم على الفيس بوك الكثير من الاشاعات الكاذبة حول تهديد حماس له وهو ما انكره محمد عساف وعائلته.
فلم ينتبهوا أن عساف خرج من غزة في عهد حكومة حماس، ومارس الطرب والغناء في حفلات فنادق غزة بحرية كاملة، ولم يمنع يوما او يضايق عليه، وغنى لفلسطين ولفتح وللحب وللعشق من غير ان يتعرض لأدنى أذى. وهذا هو التصرف السليم والوسطي من حركة حماس الذي نقدره لها.