يحذر عدد متزايد من السياسيين والباحثين والمعلقّين (بإسرائيل) من أنها آخذة بالتحوّل لما يشبه نظام جنوب أفريقيا إبان التمييز العنصري، وذلك بسبب التشريعات والممارسات العنصرية ضد الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر.
ويواصل الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) الحالي عمليات تقنين العنصرية ضد الفلسطينيين على خطى الكنيست السابق الذي سن أربعين قانونا عنصريا.
وآخر هذه القوانين اقتراح قانون صادقت عليه اللجنة الوزارية لشؤون التقنين قبل أيام يعطي أفضلية في مجالات متعددة لمن أدى الخدمة العسكرية.
وطبقا للاقتراح الذي تقدم به رئيس الائتلاف الحاكم عضو الكنيست يريف ليفين، سيمنح من أدى الخدمة العسكرية الأفضلية في مجالات القبول للعمل بالقطاع العام ومؤسسات التعليم العالي ومساكن الطلبة وتخصيص أراضٍ للسكن.
ويثير مشروع القانون ردود فعل سلبية حتى بأوساط إسرائيلية حقوقية وقضائية، وقد صادق الوزراء عليه رغم معارضة المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين له بوصفه "غير ديمقراطي".
تقنين العنصرية
ويؤكد مدير جمعية "تكافؤ الفرص" المحامي علي حيدر أن مشروع القانون هذا مدفوع بنزعة عنصرية، ويتنافى والقيم الأخلاقية وأسس النظام الديمقراطي وكرامة وحقوق الإنسان.
ويشير إلى أنه يفهم مخاوف أوساط إسرائيلية من تقدم إسرائيل نحو نظام التمييز العنصري السابق بجنوب أفريقيا نتيجة قوانينها العنصرية، خاصة مخاوف رئيس الكنيست الأسبق أبرهام بورغ الذي يواصل التحذير بمحاضراته مما يسميه "السيناريو الأسود" الذي ينتظر "إسرائيل الكولينيالية (الاستعمارية)".
ويؤكد حيدر أن واقع اليهود والعرب بالبلاد مطابق لعلاقة البيض بالسود في جنوب أفريقيا إبان فترة التمييز العنصري، وفي أميركا قبل سنوات الستينيات.
وهذا ما حذّر منه مثقفون وسياسيون يهود أيضا يرون أن تكريس الاحتلال سيجعل الفلسطينيين بفلسطين التاريخية أكثرية بينما تحكم أقلية يهودية بقوة السلاح والقوانين العنصرية وسط تكريس لعزلة شديدة في العالم.
البيض والسود
وأبرز هذه الأصوات رئيس كتلة حزب المركز (يش عتيد) -وهو ثاني أكبر الأحزاب- عضو الكنيست عوفر شيلح الذي يقول إن تصريحات قادة اليمين بشأن الاستيطان والسلام تذكّر بالبيض في جنوب أفريقيا.
وردا على سؤال للجزيرة نت لا يخفي شيلح قلقه من تقدم إسرائيل على الأرض نحو نموذج التمييز العنصري بجنوب أفريقيا ثانية، معتبرا أن المستوطنات تشكّل حجر عثرة أمام التسوية مع الفلسطينيين.
ويتبنى شيلح المقولة المترددة على لسان بعض المفكّرين اليهود بالبلاد والعالم بأن احتلال الضفة الغربية يفسد المجتمع والجيش والعدل واللغة والوعي بإسرائيل.
ويضيف شيلح الذي يردّ على إعلان وزراء ونواب دعمهم للمستوطنات وهجومهم على تسوية الدولتين "أما التفكير بأن العالم سيعتاد الحالة الراهنة فيذكّر بقصة جنوب أفريقيا التاريخية".
وخلافا لقادة الأحزاب اليمينية ممن يؤيدون ما يعرف بـ"أرض إسرائيل الكاملة" يرى شيلح أن إسرائيل تتجه يوميا نحو مكانة جنوب أفريقيا العنصرية.
عزلة سياسية
ويشير شيلح إلى أن إسرائيل على حافة مقاطعة لكافة بضائعها، بينما تتدهور مكانتها السياسية، مستذكرا تصويت السواد الأعظم من دول العالم لجانب فلسطين بالأمم المتحدة نهاية العام المنصرم.
وهذا ما يؤكده الأديب الإسرائيلي البارز عاموس عوز الذي يحذر من خطورة تبلور نظام تمييز عنصري (أبارتهايد) بإسرائيل نتيجة استمرار احتلال الضفة، ومحاصرة غزة ومواصلة تشريع قوانين عنصرية.
وقال لإذاعة الجيش اليوم إن إسرائيل باتت تشبه جنوب أفريقيا العنصرية، محذرا من أن العالم سيرفض التجارة معها وسيطردها من مؤسساته الدولية.
ودعا عوز لإنهاء الاحتلال وتصفية الحصار على غزة وتسوية الصراع مع الفلسطينيين على أساس "الدولتين" لأنه من غير المعقول أن "تغرّر بكل العالم كل الوقت".
نضال مشترك
كما تتزايد الأصوات لدى فلسطينيي الداخل الداعية إلى العودة للدولة الديمقراطية الواحدة ونضال الفلسطينيين عبر طرفي الخط الأخضر ضد نظام أبارتهايد الإسرائيلي.
ويعبّر عن هذه الرؤية، المدير العام لمركز "مدى الكرمل" للدراسات الاجتماعية التطبيقية البروفسور نديم روحانا، الذي يشير بشكل مثابر منذ سنوات لاستحالة تطبيق "الدولتين" كونها تسوية غير عادلة ولإجهاز الاستيطان عليها.
ويقول روحانا للجزيرة نت إن "مدى الكرمل" تدأب على رعاية لقاءات ومؤتمرات بين مثقفين فلسطينيين بالوطن والشتات لبلورة فكرة النضال المشترك ضد نظام أبارتهايد الإسرائيلي الواحد.
وهذا ما يدعو له اليوم أيضا الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح في كتاب جديد بعنوان "مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة".
ويدعو عبد الفتاح -الذي يؤمن حزبه حتى اليوم بـ "الدولتين"- لإسقاط نظام التمييز العنصري الإسرائيلي بفلسطين وتحقيق العدالة للفلسطينيين وضمان حل إنساني للمسألة اليهودية بالبلاد، وذلك من خلال تطوير التعبئة السياسية نحو حركة ديمقراطية تشمل كل المنادين بالدولة الواحدة.
الجزيرة