بقلم: نادين ياغي
كلية شميدت/القدس
إمبراطورية الأوهام سقطت، عرش الإنسانية تخلّص من إنسانيته، وحاكم الحياة تظاهر بالموت المؤبّد. الشّعب هلّل ظانّا أنّه حرّ، حرّ للتّمرّد، حرّ لخوض الحرب دون قواعد وأسس ضميريّة، حرّ ليتسلّط بجبروته على كلّ من لا يستطيع بدوره أن يبطشه.
وهكذا مرّت الأيّام القفراء ومرّت معها سنين القنوط بساعاتِ هؤلاء البؤساء، إمبراطورية الفساد انتصرت، عرش الدّمار تزيّن بغدر الخياتة بحدِّ ذاتها، وحاكم الموت تظاهر بالحياة الخالدة.
الشّعب، لا يوجد شعب، فكلٌّ إمبراطور على شعبه الّذي بدوره إمبراطور على شعب شعبه، الحرية مغتربة منفيّة تحصحص في عبثيّة الفضاء الّذي يفتقد العدم، الرّاية لا تُرفع فالسّماء الأرض والأرض السّماء، لذلك الرّاية يُداس عليها وتتخبّطها أقدام وأنامل منسوجة من أشلاء خزيٍ صُقل في وعاء الفخر ورُمّم بأيدي النّحّاتين، صدأه لا يزال بصداه يرنّ في الآذان ولكن الآذان لا تسمع والأعين لا ترى الثّقوب والقلب لا ينبض إلا بالشّذوذ الاجتماعيّ والخلقيّ، العقل فهو أيضاً مغترب منفي يغرق في بحر يفتقد الماء.
ما هذه الحالة العشوائيّة؟ ما هذا الانقلاب الكلّي؟ وكيف تطوّرنا بالرّجوع إلى ما وراء الوراء؟! إسأل نفسك فكلّ من يقرأ كلماتي مسؤول وجزء من هذه المصيبة الكارثيّة الانحلاليّة المتوارثة، وكلّ من يفهم فحوى سطوري يفهم العبء الّذي نحمله منذ الطّفولة والشّباب والكهولة إلى الكفن.
أنا استنشدكم، استنجدكم، لا تدعونا نتحوّل إلى بقايا أهرامات تحترقُ تحت أشعّة شمس مصر، أو حدائق معلّقة في ماضي بابل، لا تدعونا صخرةً هنا و أثراً هناك، فما نفعله الآن لن يدخلنا عجائب الدّنيا السّبع ولن يسجّلنا في كتابٍ تاريخيّ، فنحن ممحاةٌ توحّشت وأخذت تمحي نفسها بجنون احمرار الشّمس عند المغيب، لا تدعونا نصل إلى مرحلةٍ لا يوجد فيها تاريخ، إلى مرحلةٍ لا يوجد فيها نحن.