غزة/ كمال عليان
بمجرد دخولك في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، سرعان ما يلفت انتباهك محلات صناعة الخيزران، حيث الأشكال الديكورية الجميلة في صناعة الكنب الخيزراني، والطاولات بشتى أنواعها، بالإضافة إلى أشكال أخرى كثيرة تستخدم لتزيين البيوت، وتعطيها ديكورا جميلا يكاد يسلب العقل من كثرة جماله.
"الرسالة" تجولت في جنبات محل "السلام" للخيزران وحاولت مسح الغبار عن هذه المهنة النادرة والقديمة في قطاع غزة وأعدت التقرير التالي:
تعلمت المهنة
هواية الخيزران بدأت عند الحاج أبو رائد المظلوم (60 عاما) – صاحب محل السلام- منذ كان على مقاعد الدراسة الثانوية عندما كان يعمل في مصنع أخيه الكبير، موضحا أنه كان يطمح يومها للسفر إلى السعودية للالتحاق بمعهد لتعليم المهنة ولكنه لم يستطع السفر آنذاك مما جعله يفتتح مصنعه في غزة عام 1965م.
وفرضت مشغولات الخيزران وجودها من خلال أشكال مستحدثة تتناسب مع احتياجات الحياة العصرية، بعد أن حولتها الأيدي الماهرة إلى سلال وأدوات منزلية جذابة.
وبقي الخيزران محافظا على مكانته، محتلا مساحات واسعة بين الوسائل المستعملة والديكورات الحديثة لترتفع مصنوعاته على جدران المنازل إلى جانب اللوحات والتحف.
وحول البلد الأصلي لزراعة الخيزران أكد المظلوم على أن أشجار الخيزران تزرع في دول جنوب شرق آسيا مثل الفلبين وماليزيا والصين، عازيا ذلك إلى وجود المستنقعات ودرجات الحرارة العالية وهي الظروف الملائمة لنموه.
وأشار صاحب المصنع في حديثه للـ"الرسالة" إلى أن مصنوعات الخيزران والقش تتميز بخفتها وجمالها وإضفائها على المكان البساطة والجمال، لافتا إلى أنها تستخدم غالبا في غرف الجلوس وأحيانا في غرف الضيوف، وقد نجد منها في غرف النوم أو المطبخ.
ونوه إلى أن كماليات الخيزران تحتاج إلى الجمالين اللوني والشكلي، بالإضافة إلى المهارة الشديدة ودقة الصنع، وجودة أعواد الخيزران المستعملة، مبينا أن الحرفة تطورت عن السابق وظهرت بعدة ألوان مغايرة، جعلت عددا من المواطنين يقبلون على شرائها لتضفي على مجالسهم ملامح جمالية.
للخيزران أنواع
وتتميز أعمال الحاج أبو رائد بالدقة والإتقان، فيقول:" يجب أن يكون العمل مميزا ويحمل فكرة جديدة، فيها التجديد وعدم التكرار"، مؤكدة على أن أنها غير مكلفة إذا توفرت المواد الأساسية، أما في ظل الحصار المفروض على القطاع فالأمر يختلف شيئا ما.
وعندما يبدأ عمله الذي اعتاد عليه، تتدفق عليه الأفكار الجديدة، وعند الانتهاء منه والنظر إليه، يمنحه إلهاما للإبداع في الأعمال المقبلة.
وأما عن أنواعه فيبين المظلوم أن الخيزران له خمسة أنواع مثل "ملكان" وهو النوع العريض القوي الذي يتحمل الضغط، و"الأمويل" وهو القش المستخدم في صناعة الكماليات المنزلية، وهو عبارة عن القنوات التي تحمل الماء لنبتة الخيزران، وأما المادة الرفيعة منه (الأمويل)، فتستخدم في الإكسسوارات المنزلية، مثل (الحلفا) وهو من جرير النخل ويستخدم للحبال والربطات، بالإضافة إلى نوعي "البلدي" و"الفرعوني".
ويستخدم المظلوم في صناعاته جميع أنواع الخيزران، نظرا لاختلاف الصناعات التي ينتجها، بالإضافة أنه يبقى محافظا على شكله على المدى البعيد ولا يتكسر، كما يجب دهنه بمادة اللكر حتى لا يرطب –حسب المظلوم.
أما المواد التي يستخدمها عند صنع أعمال الخيزران فهي أنواع الخيزران السابقة، والقش، ومقصات الخشب، والمكابس، السليكون، الغراء، واللكر اللامع، بالإضافة إلى الإكسسوارات المختلفة التي تزين العمل والإسفنج.
لصناعته خطوات
وفيما يتعلق بخطوات صناعة الخيزران أوضح المظلوم أنه بعدما يتم قطعه يصنف حسب طوله وعرضه ونوعه، لافتا إلى أنه يتم بعدها تجهيز الأدوات المستخدمة سابقة الذكر.
ويضيف :" بعدها يقطع الخيزران بالأطوال المناسبة لحجم الشكل المطلوب"، موضحا أنه يتم نقعه بالماء المغلي حتى يصبح لينا ويمكن صبغه بعدة ألوان إذا أردنا.
وتابع :" بعد الانتهاء من صنع المطلوب يتم التخلص من الشعيرات الصغيرة بتمريرها على النار"، مشيرا إلى أنه يضع القطعة في الشمس لتجف من الماء ثم يدهنها باللكر، وبعد أن تجف، يزينها بالإكسسوارات التجميلية حسب الرغبة.
لحظات قليلة أمضيناها مع الحاج أبو رائد المظلوم كانت كفيلة بمسح الغبار ولو قليلا عن هذه المهنة النادرة لتكون مهنة الأجداد في أيدي الأحفاد.