بعد إعلان إسرائيل نيتها الإفراج عن 104 من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو، سرعان ما تناسى رئيس السلطة محمود عباس شروطه السابقة للعودة إلى المفاوضات، ووافق الرجوع إليها متغاضيًا عن مطالبه بوقف الاستيطان كشرط أساسي وقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 والبدء من الصفر.
وتوقفت المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" منذ عام 2010 بعد ثلاثة أسابيع من بدئها بسبب مواصلة الاحتلال للاستيطان في الضفة المحتلة والقدس.
ولكن بعد جولات مكوكية بين الجانبين المفاوضين ومحاولات أمريكية حثيثة تمثلت بست زيارات من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للشرق الأوسط للعودة إلى المفاوضات، أعلن كيري نهاية يوليو الماضي أن وفدي التفاوض الفلسطيني و"الإسرائيلي" سيلتقيان مجددا خلال أسبوعين بهدف استمرار المفاوضات التي أعلن استئنافها في واشنطن الاثنين الماضي.
وأكد كيري توافق الجانبين على إبقاء المفاوضات سرية، وأنه سيكون الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعلق بشكل علني على المفاوضات وبالتشاور مع الطرفين المعنيين.
مشروع صهيوني- أمريكي
الدكتور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية، يرى أن العودة إلى المفاوضات مضيعة للوقت والجهد وإلهاء للشعب الفلسطيني من أجل تمرير المشروع الأمريكي- الصهيوني, وفق قوله.
ويبين قاسم أثناء حديثه لـ"الرسالة نت" أن المشروع المقصود هو تحويل الشعب الفلسطيني إلى أفراد يبحثون عن مصالحهم الخاصة، "وبالتالي تذوب الحقوق الوطنية، وهذا ما يأمله الاحتلال "الإسرائلي".
ويتفق المختص في الشأن "الإسرائيلي" ناجي البطة مع قاسم في هذا الشأن، مشيرًا إلى أن الجيل الحالي بقيادة عباس الذي جاء وسلطته للبحث عن المصالح الشخصية وليس الوطنية".
وعاد قاسم ليضيف "المفاوضات لم تأت بشيء جديد، فالاحتلال ما يزال يزيد من بناء الوحدات الاستيطانية ويحتلون الأراضي والحفريات مستمرة تحت المسجد الأقصى واحتلال القدس الشرقية مستمر، واستئناف المفاوضات يأتي لتنفيذ سياسات الاحتلال وحماية وجوده".
أما فيما يتعلق بالإفراج عن الأسرى القدامى وربطها بالعودة إلى المفاوضات، يعلق قاسم "هذه سياسية لتبييض وجه السلطة أمام الرأي العام الفلسطيني، فدائما اسرائيل تقوم بخطوات صغيرة لصالح السلطة".
وكما يؤكد أستاذ العلوم السياسية فإن عباس لا يقرر العودة إلى المفاوضات من عدمها لأن من يقرر هم الأمريكان، بسبب تحذيرهم الدائم لأبو مازن بوقف الدعم المادي السياسي للسلطة.
ويستدل قاسم على أن قرار "أبو مازن" ليس بيده، بالقول "عندما اجتمعت القيادة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير وقرروا عدم العودة إلى المفاوضات، ولكن الكل تفاجئ ثاني يوم برجوع عباس للمفاوضات، وهذا يدل على أن قرارنا ليس بيدنا".
من ناحيته، اعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي ناجي البطة العودة الى المفاوضات الآن تأتي نتيجة إملاءات "إسرائيلية" من طرف يشعر بالانتصار والغرور على مجموعة من المفاوضين "الفاشلين"، "الذين لم يفوضهم أحد للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني".
تضليل الرأي العام
ويقول البطة لـ"الرسالة نت"، هناك بعض الأمور التي يراد بها تضليل الرأي العام وتحقيق انجاز وهمي للتنازل عن الثوابت الوطنية، ممثلا بالحديث عن إطلاق سراح 104 أسيرًا من الأسرى القدامى.
ووصف البطة المفاوضات بـ"الكارثية"، والهدف منها التضليل، محملًا المفاوض المسئوليات كافة عن النتائج.
وكان عدد من القيادات "الإسرائيلية" وعلى رأسهم نتنياهو قالوا إن المفاوضات هي خيار استراتجيي للمحافظة على وجود الكيان؛ لأنه في حال توقفت المفاوضات سيشكل ذلك خطرا على "إسرائيل" حيث أنها ستفقد شرعية وجودها أمام العالم، وكتب أكثر من مفكر صهيوني أن "إسرائيل" تتراجع شرعيتها كلما توقفت المفاوضات.
وعد البطة العودة إلى المفاوضات في هذا الوقت بالتحديد محاولة من "إسرائيل" لتنال أكبر قدر ممكن مما تريده في ظل الاضطراب الحاصل في الوطن العربي وخاصة مصر بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.
بدوره، يرى المحلل السياسي ياسر الزعاترة أنه من العبث القول إن جولات كيري كانت مبادرة أميركية خاصة، فالولايات المتحدة لا تتحرك أصلا في الملف الشرق أوسطي إلا بناء على مطالب الكيان الصهيوني، "وهي عموما لم تعد معنية بالمنطقة كما كانت من قبل في ظل أولوية المواجهة مع الصعود الصيني".
ويضيف الزعاترة في مقال سابق نشر له "للتذكير فقط، فلم يكن شرط وقف الاستيطان الذي تسبب في استمرار توقف المفاوضات واحدا من شروط السلطة التي فاوضت أولمرت ثلاثة سنوات، بينما كانت حكومته الأكثر تصميما علي تصعيد الاستيطان بين كل الحكومات السابقة".
ويتابع الزعاترة "لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو الذي صعد محمود عباس إلى أعلى الشجرة عندما طرح على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف الاستيطان من أجل تهيئة الأجواء لاستئناف التفاوض، فما كان من نتنياهو إلا أن رفض ذلك، وأصرَّ على رفضه، وها هو عباس وأوباما يخضعان لشروطه".
احتمالان للحل
وطوال سنوات ثلاث أصرَّ عباس على رفض استئناف المفاوضات دون تجميد الاستيطان، لكنه يعود اليوم دون وقفه، مع العلم أننا نتحدث عن تجميد الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967 التي يُفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية.
وتوقع الزعاترة احتمالان لهذه الرحلة الجديدة من المفاوضات، الأول "أن لا تصل إلى نتيجة في المدى الزمني المحدد (تسعة أشهر)، بسبب ملف القدس على وجه التحديد، فضلا عن قضايا أخرى تتعلق بالحدود.
والاحتمال الآخر من وجهة نظر الزعاترة، أن تتواصل المفاوضات بشكل سري، وتنتهي بقبول عباس بأسوأ مما قبله في مفاوضاته مع أولمرت، في صفقة نهائية تحصل فيها السلطة على حصة من البلدات المحيطة بالقدس (ضمت إليها بعد 1967) كعنوان لعاصمتها، مع بقاء القدس التاريخية موحدة تحت سيادة الاحتلال.
يذكر أنه تم الإعلان عن العودة إلى المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في ظل تعطل تام للمصالحة الفلسطينية منذ فترة طويلة، وبعد أقل من شهر على مرور الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي.