يستعد المسلمون في كل مكان لاستقبال عيد الفطر السعيد بعد أن منّ الله عليهم بصيام وقيام شهر رمضان المبارك ويتهيؤون لاستقباله برغم ما يعانونه من الام واحزان ودماء نازفة وقلوب منكسرة وأفئدة منفطرة. فمن الناس من لا يعرف الفرح له بابا، لما ألم به من هموم وأحزان.
يأتي العيد بما شرع الله فيه لنا من الفرح والسرور، ليكسر ما أحاط بالقلب من هموم، ويُخرج ما سكن فيه من أحزان، ليرى الحياة بوجه جديد، يبعث فيه البهجة، ويجدد له الأمل، حين يبيت ليلة العيد سعيداً بإتمام صومه.
ويستقبل المسلم العيد بالسنن التي تبعث في النفس السعادة والسرور وتجدد فيه النشاط، فيغتسل ويتطيب ويتزين ويلبس الجديد، ثم يخرج لصلاة العيد مكبراً مهللا حامداً، ويلتقي بإخوانه ويأنس بهم ويشاركهم وجدانيا فرحتهم بالعيد, فالعيد جعل للفرح والسرور لا لتجديد الاحزان والهموم.
والعيد في معناه النفسي يوم فرح وسرور وسكينة واطمئنان وانشراح للصدر وترويح عن النفس وهو حد فاصل بين تقييد تخضع له النفس، وتسكن إليه الجوارح، وبين انطلاق ينفتح له هوى النفس، وتتنبه له الشهوات.
وهو يوم الجائزة لمن صام وقام واتقى واستقام فقد جعل الله تعالى الفرح في العيد عبادة، وأبرز مظاهر الفرح في العيد هي الفطر، وفي الحديث: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»، فالمسلم يفرح بما شرع الله له من عبادات، وأمره به من طاعات، ورتب على ذلك من ثواب وحسنات.
والعيد في معناه الاجتماعي يوم للمسلمين يجمعهم على التسامح والتلاقي ويوم للأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم للفقراء والمساكين يلقاهم باليسر والسعة، ويوم للأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم للأصدقاء والزملاء والاحبة يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم للنفوس الكريمة والقلوب السليمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد خصومة وتتلاقى بعد قطيعة.
وللعيد أبعاد ومضامين إنسانية ونفسية واجتماعية وتربوية كثيرة وله مظاهر واثار إيجابية على الصغار والكبار, فالعيد يوم لتجديد وتقوية أواصر وروابط المحبة والتواصل بين افراد الاسرة والمجتمع، وفيه تتجلى السلوكيات الطيبة والأخلاق الحميدة فالتهنئة بالعيد تزرع الود والحب في قلوب الناس, لذا استحب الذهاب لصلاة العيد من طريق والرجوع من طريق حتى يستطيع المسلم تهنئة أكبر عدد من الناس.
وفي العيد يتصالح المتخاصمون، وتنعقد مجالس الحب والتراحم والمودة، وتزول الأحقاد من النفوس فتتجدّد العلاقات الإنسانية، وتقوى الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية، وتعلو قيمة التآخي والتعاون والبذل والعطاء والجود والكرم والتراحم والتعاطف.
كما أن العيد فرصة نفسية كبيرة ومدخل اجتماعي عظيم لكسر ما سببته مشاغل الحياة عن القيام بواجب صلة الأرحام والتواصل مع أولي القربى.
وفي العيد فرصة للترويح عن انفسنا وعن اطفالنا ورسم البسمة على وجوههم وتعليمهم كيفية غرس المحبة والتواصل والتراحم والتسامح ونبذ الخلافات والتخلي عن الضغائن والعداوات فاصطحاب الأطفال في هذا اليوم يكسبهم هذه القيم بشكل مباشر ويساعد على إدخال السرور والبهجة والانشراح إلى نفوسهم.
و"العيدية" تعتبر من أهم مظاهر الاحتفال بالعيد عند الأطفال, فجميع الأطفال ينتظرون قدوم صباح يوم العيد حيث يحصلوا على العيدية من الكبار، وغالباً ما تكون العيدية مبلغاً من المال يفرح به الأطفال، حيث يشترون ما يريدون من ألعاب وحلوى احتفالاً بحلول العيد ويتباهون بها فيما بينهم.
وللعيدية فوائد ومزايا نفسية تعود على اطفالنا فهي تغرس معنى الرحمة للعطف على الآخرين، اذا اقتطع الطفل جزءا من العيدية ليتيم أو فقير, وفيها إظهار الحب والود من الأهل والأقارب عند إعطاء العيدية للأطفال، حيث يزداد الترابط والدفء الأسرى, وفيها تعليم الاطفال تقديم الشكر والشعور بالامتنان لذويهم واقاربهم الذين قدموا لهم العيدية, وفيها تعليم لمعنى الادخار حيث يمكنهم ادخار جزء من نقودهم لشراء بعض متطلباتهم.
وفيها ايضا تعليم الأطفال كيفية إنفاق النقود فيما هو مفيد ونافع وضروري, وفيها تدريب على تحمل المسئولية واكتساب بعض من الحرية من خلال نقود العيدية التي يتصرفون فيها كيفما يشاءون. فالعيد محطة انتقالية يتزود فيها المسلم بشتى خصال الخير للعام كله وايضا العيد رسالة سلام يبثها في نفوس المسلمين فتصفو نفوسهم وتسلم قلوبهم وتكسر همومهم وتذيب احزانهم وتجدد حيويتهم ونشاطهم.
وفي العيد الكثير من المعاني الجميلة والمحاسن العظيمة والحكم الجليلة ما لا يوجد في غيرهما من أعياد الأمم الأخرى أو الأعياد المبتدعة, أعاده الله علينا وقد تحققت اماني وتطلعات شعبنا بتحرير ارضه ومقدساته ونيل حريته وحقوقه.