قائد الطوفان قائد الطوفان

في حوار مع وكيل وزارة الخارجية

حمد: فتح تفتقر للخبرة والمعلومات في التفاوض

وكيل وزارة الخارجية الدكتور غازي حمد
وكيل وزارة الخارجية الدكتور غازي حمد

حاورته - أمل حبيب

اتصاله الهاتفي مع شخصية اعتبارية كان كفيلا بإهدائنا شيئا من الراحة والكثير من التمني بوجود أكثر من غازي حمد واحد! 

عشر دقائق خارج نص الحوار استمعت فيها (الرسالة نت) إلى نقاش وكيل وزارة الخارجية المتزن الذي حمل بين ثناياه حنكة دبلوماسية في التعامل مع الأطراف المختلفة سياسيا وفكريا معه، وكان هذا نابعا من انفتاحه ومصارحته لخدمة المصلحة الوطنية.

ورغم وجود نية بأن يحمل اللقاء طابعا شخصيا بحتا فإن السياسة أصرت على إقحام نفسها عنوة خلال حديثنا إليه.

بدأنا من حيث انتهى حمد في مكالمته الهاتفية (السياسية)، فكانت الوثائق التي كشفت عنها حركة حماس أول المحاور على طاولة وكيل وزارة الخارجية، فقال: "هي خطيرة جدا وتعتبر نقطة تحول في أدب الخلاف السياسي.. لا ننكر الخلاف بين فتح وحماس لكننا لم نقبل أن يتدهور الوضع إلى هذه الحال".

"

شخصيات أوروبية أدركت أن سياسة مقاطعة حماس غير سليمة

"

وأضاف: "فبركة قصص وروايات وأخبار تحمل كل معاني التحريض والكذب حتى وصلت مرحلة تشويه صورة الفلسطيني اضطرتنا إلى كشف حقيقة ما يجري".

وشدد حمد على أن نشر الوثائق يهدف إلى إيقاف الحملة الإعلامية الظالمة وليس التشمت أو الثرثرة الإعلامية كما ادعت بعض الأطراف، كاشفا عن أن حركة حماس أجرت عددا من الاتصالات مع قيادات اللجنة المركزية لحركة فتح والسفير المصري قبل النشر وبعده.

المعروف أن حمد يدفع باتجاه المصالحة، ولكن: هل بات صوته ضعيفا في ظل الصراع الأخير بين الحركتين على خلفية الوثائق؟، وهل سيعيدنا ذلك إلى مربع الانقسام الأول؟، فنبه في السياق إلى أن مثل هذه السلوكيات والتصرفات تؤثر بقوة على المصالحة، مؤكدا أن الحكومة الفلسطينية مع المصالحة قلبا وقالبا "لأنها ممر وطني إجباري يجب أن نعبره".

ونوه إلى وجود توجه جاد من حماس في المرحلة الأخيرة لاستئناف المصالحة، "لكن حملات التحريض خلقت أجواء مسمومة لتشويه صورة الشعب الفلسطيني"، مشيرا إلى أن ذلك يدل على وجود شخصيات غير معنية بالمصالحة والسلم الاجتماعي والتقارب السياسي. 

"يبنا" في القلب

وليس بعيدا عن السياسة كان الوطن في القلب، وهل في القلب غيرك "يبنا"؟، ابتسامة السياسي اختلفت عند سؤالنا له: "ماذا تعني لك؟"، يجيب حمد: "تعني لي كل الذكريات الجميلة.. هي الوالد والوالدة والجد والجدة والبيارة.. هي فلسطين التي ضاعت ولا بد أن تعود".

ويبنا التي تقع في محافظة الرملة من أكبر قرى قضاء الرملة وهي أقرب ما تكون إلى البلدة من كونها قرية.

"

أعتز بانتمائي إلى حماس والمصارحة في حياتي ضرورية

"

لم يسمع حمد من والده حكايات البلدة وعذابات تهجير ساكنيها، فقد رحل وحمد لا يتجاوز سبع سنوات من عمره. 

أيام الحصاد ونسيم البيارة والتمسك بحق العودة اجتمعت في أحاديث الجدة لغازي في صغره، فيؤكد أنه لا يزال يحتفظ بحكاياتها عن يبنا، مشيرا إلى أنه زارها مرة واحدة قبل عام 1982 وشاهد مأذنتها.

الابتسامة لم تغادر وجهه طوال الحديث عن الوطن المسلوب، فختم بالقول: "أعتز بانتمائي إليها لأنها جزء من الوطن".

الطب البيطري والسياسية!

المناصب التي شغلها حمد ناطقا باسم الحكومة ومديرا لهيئة المعابر تختلف كليا عن بيئة الدراسة التي أحب إكمال الدراسات العليا فيها، فهو صاحب تخصص "بكالوريوس طب بيطري".

وقال في السياق: "خلال وجودي في السجن أصبح لدي اهتمام أكثر بالجوانب السياسية عبر اطلاعي على عدد من الكتب والمجلات وكتابة المقالات، فتولد لدي رغبة في المشاركة في العمل السياسي والصحافي".

وأضاف: "فور خروجي من الأسر عملت في رئاسة تحرير صحيفة الوطن ثم الرسالة، ورغم انسجامي مع تخصصي فإن مدة ابتعادي عنه شغلتني".

ويعرف عن السياسي حمد أنه فتح عدة خطوط مع شطر الوطن الآخر -حكومة رام الله- وله اتصالات مباشرة، فكيف ساهمت هذه العلاقات في خلق الإيجابية بين الطرفين؟، يقول حمد: "لدينا اتصالات مفتوحة مع الإخوة في رام الله وحركة فتح.. هدفنا الأساسي تقريب وجهات النظر لتجاوز بعض المشكلات والعقبات التي تقف في وجه التفاهمات".

وأكد أن الحكومة لا تمنع وجود تعاون وتنسيق مع الوزارات في رام الله بما يصب في المصلحة العامة ولتحسين الخدمة للناس في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء".

لم يغب عن "الرسالة" طرح تساؤل حول مبدأ التفاوض مع العدو ولاسيما أن حمد كان أحد قنوات الاتصال مع الاحتلال خاصة في قضية الجندي جلعاد شاليط، فيقول في السياق: "من حيث المبدأ والدين ليس هناك ما يمنع التفاوض مع العدو لكن هذه المسألة تقدر تقديرا سياسيا"، مقدما عددا من الأسئلة المهمة التي لا بد من الإجابة عنها قبل التفكير في التفاوض مع العدو، "ومنها: هل هناك جدوى مترتبة أو مصلحة في موضوع التفاوض أم لا؟.. هل هناك نتائج عملية أم لا؟.. هل سيكون التفاوض في إطار وطني أم لا؟".

ويعتقد حمد أن الإشكالية في المفاوضات الفلسطينية أنها أخذت جانبا احتكاريا لحركة فتح، ونوه إلى افتقارها الإجماع الوطني الفلسطيني والخبرة والمعلومات، واصفا تجربة التفاوض مع الاحتلال بالفاشلة.

عكس التيار

خلف الأسوار تبلورت شخصية حمد السياسية، فخاض معتركها وبرع فيها، وله من مقالاته التي ظهر فيها كأنه يسبح عكس التيار، فوجد قبولا من أطراف أخرى من غير انتمائه، وعند استفسارنا منه أكد اعتزازه بانتمائه إلى حركة حماس بقوة، لافتا إلى أنه اعتاد المصارحة بآرائه خاصة فيما يتعلق بالرأي العام والمصلحة الوطنية ومحاولة تقريب وجهات النظر.

ويعتقد أن سياسة الانفتاح والمصارحة والتفاعل مع المجتمع مسألة ضرورية جدا لكنه لم ينكر وجود بعض الآراء التي لم يرض عنها بعضهم وتتعلق ببعض مواقفه السياسية التي جاءت في إطار إعادة الوحدة الوطنية التي يعتبرها هدفا مقدسا، "لأن حالة الانقسام عار وعلامة ضعف للحالة الفلسطينية".

"الرسالة" شعرت بالاطمئنان عندما علمت من حمد أن أجمل حدث سياسي بالنسبة إليه هو اتفاق مكة في السعودية الذي تشكلت إثره حكومة التوافق الوطني، وقال: "كنت سعيدا لمشاركتي في الجلسات والمناقشات".

ويضع بعضهم الدكتور غازي حمد والمستشار أحمد يوسف في سلة سياسية واحدة، وعند سؤالنا: كيف يمكن أن تصف علاقتك به؟، أجاب براحة: "علاقة طيبة.. عملنا في أكثر من موقع رسمي ناطقا باسم الحكومة وهو مستشار سياسي لمدة 3 سنوات".

وأضاف: "كنا على اتصال دائم برئيس الوزراء لتقديم بعض النصائح السياسية والوطنية.. المستشار يوسف حريص على المصلحة الوطنية ولديه دافعية لتقديم آرائه".

وبعضهم قد لا يروق لهم ما يطرحه حمد ويوسف في مقالاتهما لكن انسجامهما في الموقف السياسي وحرصهما على الوحدة الوطنية كانا طاغيين على تلك الأصوات.

عقلية أمنية

أما عن طبيعة عمله مديرا لهيئة المعابر بناء على شبكة علاقاته مع الجانب المصري وبخاصة جهاز المخابرات، فأكد أنه كان على اتصال مع الجانب المصري منذ مدة طويلة جدا، "وأغلب هذه الاتصالات مع المخابرات وتتعلق بتعامل مصر مع القطاع"، مشيرا إلى إجرائه عدة محاولات لإخراج قطاع غزة من التعامل عبر وجهة النظر الأمنية إلى الوضع السياسي والإنساني.

وفي معرض رده على سؤال "الرسالة نت": هل يجري التعامل معكم بعقلية أمنية وأنكم دوما في سلة الخصوم حتى في عهد مرسي؟، فإنه قال: "التعامل الأمني يفرض مزيدا من القيود ويخلق كثيرا من الحواجز.. خلقنا جزءا من الثقة في التعامل وناقشنا قضايا تتعلق بتطوير معبر رفح والحدود وأمنها".

"

عملي في صحيفة الرسالة من المراحل الذهبية في حياتي

"

وتابع: "العلاقة بين القطاع ومصر تدخل بعض الأوقات في حالة من التذبذب وفق طبيعة الظروف في مصر"، مشيرا إلى أن القطاع شهد حالة من الانفتاح السياسي والاتصالات مع مستوى الرئاسة والحكومة.

أما على صعيد عمله في وزارة الخارجية فكان لا بد من إيصال استغراب بعض الشخصيات غياب دور هذه الوزارة إليه، ففي ظل حالة العزل والحصار ماذا قدمت الخارجية وما هو دورها؟.

حمد أكد أن دور الخارجية محدود جراء الانقسام السياسي ونتيجة رفض الدول والحكومات التعامل مع الحكومة القائمة في قطاع غزة، مبينا وجود علاقات مع دول بصورة غير رسمية إلى جانب زيارات لتبادل الخبرات والدورات التدريبية في دول أخرى، "كما نرسل رسائل مستمرة تشرح الأوضاع المعيشية في القطاع والاعتداءات (الإسرائيلية) والاستيطان إلى الدول العربية والاتحاد الأوروبي".

وفيما يخص لقاءاته مع الأوروبيين المستمرة، نوه وكيل الخارجية إلى أنها جاءت خلال مدة طويلة جدا، "وتتمحور حول علاقة حماس بالحالة الفلسطينية ثم المجتمع الدولي".

وكشف عن أن الحكومة حققت إنجازا كبيرا في تلك اللقاءات، مبينا أن الصورة المشوشة التي كانت في أذهان كثيرين من السفراء وبعض الشخصيات الأوروبية عن حماس تغيرت، "فبات لديهم قناعة بأن سياسة العزل ومقاطعة حركة حماس غير سليمة".

لسنا في جيب أحد

ويدور الحديث في الآونة الأخيرة حول خسارة حماس حلفاءها القدامى كإيران وسوريا وحزب الله، واليوم تتجدد الخسارة بعد الانقلاب على الرئيس مرسي.

حمد يرى بدوره أن الحديث عن التحالفات غير دقيق، مؤكدا أن حماس ليست مرتبطة بتحالفات معينة "لأنها تعمل ضمن سياسة واضحة".

وقال: "لسنا في جيب نظام معين أو نتبع أحدا.. نتعامل مع كل دولة وفق قربها أو بعدها عن القضية الفلسطينية وإخلاصها لها.. حماس تتعامل مع المتغيرات ضمن منظومة قيم وليس ضمن المصالح فقط".

ويرى أن الربيع العربي خلق عملية تغيير إيجابية اتجاه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مؤكدا أن الثورات المضادة والمؤامرات لا تعني إخفاق "الربيع"، "فلكل ميلاد مخاض وثمن، ولكن يجب الحذر من سرقة هذه الثورات".

الإعلامي والوالد

عبر صفحات "الرسالة" نشر حمد مقالاته التي اتسمت بطابعها الجريء إبان عمله رئيس تحرير لها، ولن ينساها قراء الصحيفة والعاملون فيها، "فهل تحن إلى غازي حمد الإعلامي أم إن السياسة تنسي ما قبلها؟".

"

اتفاق مكة أجمل حدث سياسي بالنسبة لي

"

يجيب السياسي: "عملي في صحيفة الرسالة من المراحل الذهبية في حياتي فقد صقلت أفكاري ورؤيتي وتعاملي مع المجتمع"، وتابع: "الرسالة كانت بيتي وكنت أقضي فيها مدة طويلة.. عملنا في ظروف صعبة ولاسيما خلال القيود الأمنية من السلطة التي شكلت ضغطا كبيرا علينا".

ويعتقد حمد أن "الرسالة" تعدت الخطوط الحمر في انتقاد الرئيس والأجهزة الأمنية،" وشكلت سابقة خلال تحقيقاتها"، لافتا إلى أنها أعطت نموذجا رائعا في الصحافة الجريئة الرصينة.

وعند سؤالنا له: هل لا تزال تتابع صحيفة الرسالة؟، أجاب بثقة: "طبعا لا أزال أتابعها عبر الموقع الإلكتروني، وهي في تطور مستمر من حيث الإنتاج والإخراج ونوعية المواد المطروحة".

خلف "حمد السياسي" أب يستمتع بقضاء وقته مع عائلته الصغيرة المكونة من أربع إناث وأربعة ذكور، فيحرص على الاجتماع مع العائلة وقت الإفطار في رمضان ومشاركتهم اهتماماتهم.

لكن: ماذا تتمنى لابنك عمر؟، يجيب بالابتسامة نفسها التي ارتسمت على محياه خلال حديثنا عن الوطن: "أتمنى أن يكون رجلا مطيعا لربه مخلصا لوطنه.. إن كان عالما أو سياسيا.. المهم يخدم وطنه.. سأترك له الخيار".

"العلاقات الإنسانية غير مرتبطة بتنظيم سياسي ما دام أن حكمها الاحترام والحس الوطني"، بهذه الإجابة وصف حمد علاقته بشقيق زوجته أشرف جمعة القيادي في حركة فتح.

وأضاف: "علاقتي ممتازة مع جمعة، فهو من الأشخاص الذين يدفعون بقوة نحو المصلحة العامة للوطن".

وحين سألته "الرسالة نت": أم عمر.. أقرب لزوجها أم شقيقها تنظيميا؟، أجاب دون تردد وهو يرتدي معطفه إيذانا بانتهاء المقابلة: "قريبة لزوجها تنظيميا".

البث المباشر