سبق أن حرضت حركة فتح وسلطتها في رام الله على إغلاق الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، بزعم أنها وسائل "غير شرعية"، علماً أن حفرها جاء نتيجة اضطرارية للحصار الذي مازال مفروضاً على غزة، ولكن ماذا عن الوسائل "الشرعية" التي يجري حالياً التحريض على إلغائها مثل فتح معبر رفح البري ومد القطاع بالكهرباء المصرية والمواد الخام المخصصة للمشاريع "القطرية" وغيرها..؟.
ولعل أبرز هذه الإجراءات التحريضية، ما ذكره مصدر مسؤول في هيئة الشؤون المدنية التابعة للسلطة برام الله، حول التوصل إلى اتفاق مع سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) يقضي بفتح معبر بيت حانون (إيريز) شمال قطاع غزة أمام سفر الفلسطينيين، وذلك كبديل مؤقت عن معبر رفح البري جنوب القطاع، رافضاً الإفصاح عن موعد تنفيذ هذا الاتفاق.
وبحسب المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ"الأناضول" أن (إسرائيل) ستسمح بسفر الفلسطينيين عبر معبر بيت حانون عن طريق بطاقة الهوية الشخصية وجواز السفر، مبيناً أن "الفلسطينيين بعد عبورهم المنفذ سيتوجهون إلى مدينة أريحا بالضفة الغربية ومنها إلى الأردن عبر معبر الكرامة".
يذكر أن الزيارة الأخيرة لرئيس السلطة محمود عباس للقاهرة، قد كشفت عن مخطط "سلطة فتح" للعودة إلى قطاع غزة بطريقة "لي الذراع" وفرض سياسة الأمر الواقع التي كانت سائدة على معبر رفح قبل منتصف العام 2007، كما رفض إنشاء منطقة حرة بين مصر والقطاع.
تبرير فتحاوي
ورغم عدم صدور نفي أو تأكيد من النائب الفتحاوي عبد الله عبد الله لصحة ما ورد عن هذا "الاتفاق المذل"، إلا أنه برر ذلك بأنه لا يمكن إعفاء (إسرائيل) من مسئوليتها كقوة احتلال في غزة.
وأشار عبد الله إلى أن هناك فرق بين حركته التي تعتقد أن غزة مازالت تحت الاحتلال وحركة حماس التي تعتقد أن غزة محررة، معبراً عن موقف حركته الرسمي بالقول "الاحتلال يتحكم في بحر غزة وبرها وجوها، وهناك سبعة منافذ لغزة أحدها معبر رفح، لا نعفي (إسرائيل) من فتح كل المعابر وليس معبر رفح فقط".
وذكر عبد الله لـ"الرسالة نت" أنه كان يعاب على حركته والسلطة أنها كانت تجري وراء الأمريكان والأوروبيين للضغط على (إسرائيل) من أجل التدخل لتوفير الكهرباء وتوفير غاز الطهي لسكان القطاع، زاعماً أن ذلك كان من باب الحرص والمسئولية السياسية والأخلاقية والدينية والأدبية التي فرضت علينا ورغم ذلك كنا نتهم بالعمالة والتطبيع.
وانتقد عبد الله حركة حماس فيما قال أنها تسرعت فيه بالانضمام كحليف إلى بعض الدول وارتكاب أخطاء في الوقوف مع طرف دون الآخر، وقال "نحن دائماً ما نتحدث بايجابية عن العمق العربي، ولكن في نفس الوقت واجهنا مشاكل مع هذه الدول من المحيط إلى الخليج ولكن بدرجات متفاوتة (..) الكل يريد تجربة حظه فينا وتحملينا دائماً السبب في كل شئ".
وأضاف "يجب مراعاة ظروفنا، لأننا الطرف الأضعف بين العرب ولدينا مسئولية كبيرة، ولذلك لا يجب أن نصطف لا مع ستي ولا مع سيدي"، وفق تعبيره.
تدخل سلبي في الحصار
من جهته، حاول يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء، تشخيص الحالة التي يعيشها سكان قطاع غزة في ظل الأحداث الجارية في مصر والارتباط المتزعزع في هذه الأيام، مؤكداً أن القطاع يتعرض الآن لأخطر مرحلة من مراحل التآمر التي عاشها على مدى سنوات عديدة منذ 2005 حتى الآن.
واعتبر رزقة في حديث لـ"الرسالة نت" أن تدخل الجانب الفلسطيني المتمثل في حركة فتح والسلطة في الاتجاه السلبي الذي يعزز هذا الحصار "ربما يفسر ما ورد في حديث عزام الأحمد من إجراءات مؤلمة ضد حركة حماس في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن الحديث عن استبدال معبر (ايرز) بمعبر رفح للسفر، يشير إلى أن هناك أطراف متعددة تعمل الآن على حصار القطاع والمقاومة الفلسطينية وربما لديها خطة تشبه ما حدث في المحيط العربي والإقليمي.
وشدد رزقة على أن هذه السياسة المعمول بها سواء مؤقتة أو طويلة الأجل لها أضرار مباشرة على المواطن الفلسطيني بغض النظر عن الانتماء السياسي لأنها تشمل كل الشعب الفلسطيني من سكان القطاع.
وكانت صحيفة " الشرق الأوسط " ذكرت في تقرير نشرته، إن سلطة رام الله تدرس القيام بخطوات غير مسبوقة اتجاه قطاع غزة ومنها إعادة حرس الرئيس إلى معبر رفح بالتنسيق مع مصر وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بدون حماس. كما تتضمن إجراءات السلطة إعلان قطاع غزة "قطاعاً متمرداً"، وقطع المساعدات والرواتب التي تنفقها السلطة على موظفي قطاع غزة.
تداعيات الارتباك
وذكر أن الوضع الحالي في مصر مرتبك ونتج عنه تأثيرات وتداعيات سلبية على القطاع، موضحاً أن معبر رفح يكاد يكون مغلقاً ويسير من السئ إلى الأسوأ، كما صرحت الخارجية الفلسطينية.
وكشف عن أن الجيش المصري أقدم على هدم ما نسبته 80% أو أكثر من الأنفاق العاملة على فك الحصار عن شعب غزة، لافتاً أن الحالة المضطربة والمرتبكة في سيناء التي تمنع حركة التنقل إضافة إلى حالة منع التجول السائدة، ضاعفت الأزمة التي تتعلق بحياة المواطنين من عدم توفر المستلزمات الأساسية سواء المواد الغذائية أو مواد البناء والوقود والدواء.
ونوه رزقة إلى أن بعض من يكرهون حركة حماس والتيار الإسلامي اتجهوا إلى بعض المحاكم المصرية لوقف إمداد غزة بالكهرباء، ما يعني قطع ما مجمله 22ميجا تغذي محافظة رفح وأطراف محافظة خان يونس.
ومن المقرر أن تنظر محكمة مصرية بدعوى قضائية لوقف إمداد قطاع غزة بالكهرباء المصرية، حيث كانت سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) قصفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة عام 2006 عقب أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، ما أدخل القطاع في أزمة متواصلة لا بوادر في الأفق لحلها.
وكان وزير الأشغال العامة والإسكان يوسف الغريز، قال إن مصر قلصت كميات مواد البناء الخاصة بالمشاريع القطرية التي تعبر إلى قطاع غزة عبر معبر رفح إلى أقل من النصف بعد الأحداث الجارية في مصر، علماً أن المواد التي تدخل عبر معبر رفح البري هي ضمن بروتوكول جرى توقيعه في يناير الماضي، يتم بموجبه ادخال جميع مواد البناء اللازمة لتنفيذ مشاريع المنحة القطرية.
تقدير الأزمة الإنسانية
من جهته، أكد محسن أبو رمضان المحلل السياسي والاقتصادي، أن الشعب الفلسطيني ينأى بنفسه عن الصراع الداخلي في مصر، معرباً عن اعتقاده بأن القيادة المصرية بغض النظر عن طبيعة الحزب السياسي الذي يحكمها يجب أن يكون لديها تقدير لطبيعة الحصار والأزمة الإنسانية التي يمر بها القطاع.
وأكد أبو رمضان لـ"الرسالة نت" أن أية إجراءات تقود لإغلاق معبر رفح أو قطع التيار الكهربائي أو تقليص المواد الأساسية والمواد الخام، لا تساهم في تخفيف حدة المعاناة التي يعانيها أبناء القطاع، مؤكداً أنه في أي حال من الأحوال يجب أن تفهم مصر سواء القديمة أو الجديدة "أن الشعب الفلسطيني يتعامل مع الدولة المصرية، وأن القضية الفلسطينية واحدة من اهتماماتها التي يجب أن لا يقبلوا بأي شكل من الأشكال تعميق الأزمة الإنسانية لدى سكان القطاع".
وأكد أبو رمضان أن لجوء الفلسطينيين إلى الأنفاق كان خياراً اضطرارياً بسبب الحصار المفروض على القطاع، مشيراً إلى أنه يمكن تصنيف هذه الوسيلة على المستوى الرسمي بأنها غير شرعية، ولكن ما هو البديل؟، وفق تساؤله.
وذكر أبو رمضان أنه كانت هناك جهود ومحاولات واقتراحات بأن يتم ترسيم منطقة تجارية حرة بين مصر وقطاع غزة وأن يتم مأسسة العلاقة بصورة قانونية وشرعية من خلال التجارة من فوق الأرض بدلاً من تحتها، إلا أن جميع هذه المقترحات باءت بالفشل وأحد أسباب الفشل هو تعطل مسار حكومة الوحدة الوطنية لأسباب مختلفة.
وأكد أن قطاع غزة يمر الآن بأوضاع شبيهة بالأشهر الأولى للحصار، منبهاً إلى أنه يجب التفكير بآليات ووسائل بديلة تساهم في إنهاء هذا العقاب الجماعي المفروض على القطاع والذي يخالف القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان ويشكل عقاباً جماعياً يرتقي إلى جرائم حرب.
"إيريز" ليس بديلاً
ووفق تقديراته فإن فتح معبر (ايرز) أمام المسافرين ليس بديلاً كاملاً، لأن الحالات التي يُسمح لها بالمرور عن طريقه هي حالات محدودة، لافتاً إلى أن قائمة كبيرة من المواطنين ممنوعون ومحرومون من العبور ومنهم أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين وغيرهم الكثيرين.
وأكد أبو رمضان في الإطار، على وحدة الضفة وغزة وأراضي الـ48، داعياً إلى الخروج الأنسب من تحت الحراب (الإسرائيلي) عبر المطالبة بممر آمن وإن كان مؤقتاً بإشراف دولي ما بين قطاع غزة والضفة بدون تدخلات (إسرائيلية) وإجراءات معقدة.
كما اقترح إطلاق مبادرات من قطاع غزة للعمل على كسر الحصار من خلال البحر، مؤكداً أن ذلك يتطلب تكثيف العلاقة و التضامن الشعبي الدولي وتوحيد الجهود باتجاه كسر الحصار عن القطاع، ويتزامن مع ذلك الدعوة المستمرة لتحقيق حكومة الوحدة وإنهاء الانقسام لأننا لا يجوز أن نزج قطاع غزة في مصيره الخاص بمعزل عن الضفة الغربية والتأكيد على مقاومة الحصار كجزء من مقاومة الاحتلال، وفق ما اقترح.
يجدر الإشارة، إلى أن قيادات في السلطة وحركة فتح اتهمت حركة حماس بالمشاركة في الأحداث الجارية بمصر، وحاولت اقحامها فيما يجري هناك، وتحدثت بعض المعلومات والأخبار عن إمداد حركة فتح للإعلام المصري وثائق ملفقة تتهم حماس بأحداث مصر.