الإخوان وسيناريوهات ما بعد الانقلاب

مظاهرات مؤيدة لمرسي في مصر(أرشيف)
مظاهرات مؤيدة لمرسي في مصر(أرشيف)

غزة-محمد بلّور-الرسالة نت

مركز الزلزال في القاهرة والموجات الارتدادية أصابت كامل المنطقة العربية والإسلامية على مقياس "الانقلاب" فالدمار شمل القيمة والأخلاق والديمقراطية.

على مفترق طرق يرقد تنظيم الإخوان المسلمون في مصر, النجاح والفشل يحمل معناً كبيراً في تنظيم البلاد الأم بعد انقلاب العسكر على الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطياً للمرة الأولى في مصر.

الآن يجدون أنفسهم أمام مشهد قديم ومتكرر فالصورة في مصر بالنسبة للإخوان تحمل عدة سيناريوهات تتراوح بين المواجهة الأمنية والعنف أو الولوج من باب آخر للحلبة السياسية.

وتعيش حركة الإخوان المسلمون في مصر الآن تجربة ليست الأولى من نوعها وإن كانت الأهم في تاريخها الطويل الممتد لقرابة قرن بعد أن خاضت غمار السجن والتعذيب لعشرات السنين في ظل حكام مصر المتعاقبين.

المواجهة والتكيّف

الإخوان المسلمون الذين سجلوا حضورا في صناديق الانتخابات بكامل أنواعها بدء من النقابات والمجالس المحلية وحتى مؤسسة الرئاسة مطلوب إزاحتهم عن المشهد بشتى الطرق حتى لو أبيد عشرات الآلاف منهم ومن أنصارهم .

هكذا بدا واضحاً من سلوك الانقلاب العسكري لذا فإن الحركة التي أبدت مرونة وقدرة على التكيف طوال سنوات عمرها المديد تجد نفسها الآن أمام خيارات عدة لمواصلة العمل في الحياة السياسية.

ويقول د.خالد صافي المختص في شئون الحركات الإسلامية إن حرجة الإخوان المسلمين في مصر أمامها عدة سيناريوهات أولها هو تكرار التجربة التركية الإسلامية بعد تلقيه ضربة صعبة في الأسابيع الأخيرة.

"

الصواف: سلوك الإخوان الذي تلا الانقلاب يدلل أنهم سيواصلون الاحتجاجات السلمية

"

ويضيف:"السيناريو الأول المحتمل اتباعه هو تكرار تجربة الإسلاميين بتركيا وهو بناء الجماعة من جديد ضمن رؤية سياسية جديدة تقوم على الشراكة الفكرية والسياسية وتطرح حلولاً جديدة للتعامل مع العسكر والاتجاهات الأخرى".

أما السيناريو الثاني وهو إتباع نموذج ما حدث في الجزائر ويقصد "المواجهة الأمنية" مع حكومة الانقلاب الأمر الذي سيستنزف جهد كبير من الحركة في السنوات القادمة وهو واقعياً يشكل خطر على مستقبلها.

ويتابع:"قد يجد بعض شباب الإخوان في أدبيات سيد قطب ملهماً لهم في تبني فكر إسقاط الحكام واعتبارهم تكفيرين فقد يعيد بعض الشباب فكر قطب من خلال إسقاط النظام وتحكيم شرع الله والصدام مع السلطة ولهذا السيناريو انعكاس خطر على مستقبل جماعة الإخوان المسلمين" .

أما السيناريو الثالث حسب رؤية المحلل صافي فهو حلّ جماعة الإخوان المسلمين في مصر والتعامل مع الحياة السياسية من خلال أفراد وهو نموذج حدث في البحرين من سنوات لكنه نموذج صعب الحدوث في محضن الجماعة الأم "مصر".

أما الطريق الرابع أمام الإخوان والذي قد يصيب الجماعة فهو حدوث انشقاقات يتلوه رؤى جديدة بعضها يختار المواجهة الأمنية.

وأياً من يكون السيناريو المرجح فإن تنظيم الإخوان المسلمين الذي تعايش مع حكومات العسكر المتعاقبة في مصر أثبت قدرته على الصمود وكان يخرج كل مرة من أزمته ويصمد بل ويتسع انتشاراً.

ويؤكد المحلل السياسي مصطفى الصواف أن المرجح من سلوك الإخوان الذي تلا الانقلاب حتى يومنا هذا أنهم سيواصلون الاحتجاجات السلمية ضد الانقلاب عبر مظاهرات سلمية.

ويضيف:"سيواصلون نشاطهم السلمي حتى يقوموا بترتيب أوراقهم وأولوياتهم داخل مصر لتتحقق تماسك جماعتهم وحتى الآن لم يقدر قادة الانقلاب على إرساء قواعدهم وأركانهم".

ويشير الصواف أن حركة الإخوان ترفع منذ نشأتها شعار العمل السلمي لكن ترك النشاط السلمي قد يتغيّر إذا تواصل اعتقال كبار قادة الحركة ولم تعد هناك سيطرة على بعض قواعدها فمالوا للعنف.

تاريخ من الضربات

من ذا الذي ينكر مشوارهم الطويل في سجون ومقابر الانقلاب التي قدموا فيها آلاف الشهداء والمعتقلين وجرح وأصيب منهم الآلاف في سجون حكومات مصر المتعاقبة.

هذا هو سمت الحركات الإسلامية حسب تفسير الكثير من الكتاب والأدباء والعلماء من الإسلاميين وغيرهم كلما ازداد الضغط عليهم ازدادوا انتشاراً وزاد التعاطف لجوارهم لأنهم يحملون فكراً دينياً ومبادئ روحانية.

وتحمل كتب الحركات الإسلامية وأدبياتها نقلاً موسعاً عن تاريخ حركة الإخوان في السجون الظالمة وما تعرضوا له من بشاعة التعذيب جاء على لسان قادتها وكثير من الكتاب.

"

صافي: الإخوان واجهوا مراحل صعبة في عهد عبد الناصر لكن المرحلة الحالية الأصعب في تاريخهم

"

ويقول المحلل صافي إن الإخوان واجهوا قبل ذلك مراحل صعبة سنة 54 و56 ووقع صدام كبير معهم في عهد الرئيس عبد الناصر حتى سنة 65 لكن المرحلة الحالية قد تكون الأصعب في تاريخهم.

أما المحلل الصواف فيلمح إلى قسوة ما حدث معهم في عهد الرئيس السادات حين اعتقلوا وجرحوا ونصبت لهم المشانق في سجون طرة والحربي وأبو زعبل وغيرها من السجون.

ويضيف:"طالت تلك الاعتداءات الآلاف منهم في السجون ورغم ذلك لم تتمكن أي سلطة ولا في أي عهد من القضاء عليهم بل ازدادوا قوة واتسعوا انتشاراً حتى فازوا مؤخراً في أرفع مؤسسات مصر".

الموقف الدولي والعربي

بوصلة المواقف الدولية والعربية مرتبطة المصلحة البحتة بعيداً عن شعارات القيم والأخلاق والحرية التي تبقى حبيسة الخطب والمنابر السياسية لإقناع العالم بما يريد المتحدث فقط!.

ويقول المحلل صافي إن موقف العربية السعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية الذي شجع الانقلاب من لحظته الأولى جاء حرصاً منهم على كراسي الحكم في بلادهم.

ويضيف:"قدموا الدعم المالي والسياسي للانقلاب لأنهم يخافون نجاح تجربة الإخوان في مصر وبالتالي وصولهم لمقاعد الحكم في دولهم وقد تشجع الساعون للانقلاب بعد أحداث مصر في تونس".

أما المحلل الصواف فيؤكد أن الموقف الدولي والعربي يمضي وفق المصلحة بغض النظر عمن يحقق له هذه المصلحة هل هو ديمقراطي أم انقلابي.

 ويتابع:"دائماً موقف أوروبا وأمريكا مائع وغير حاسم وهم فقط يمضون مع من يحقق مصلحتهم لكن محرجين من أعداد وبشاعة القتل والعرب يخشون مصالحهم في الحكم أيضاً".

وتحمل أحداث مصر ضد الإخوان تناغماً حتمياً لها في الأردن وتونس وان اختلفت الدرجة فيما بدا الانعكاس جلياً في سوريا منذ استلم الرئيس مرسي الحكم .

وحتى الآن لم تتضح الصورة بعد في مصر التي تعيش مرحلة ما بعد الانقلاب وفيها يواصل الإخوان سلسلة احتجاجاتهم بالنمط القديم لكن أحداً لا يعلم هل سيبقى التنظيم يتلقى الضربات أم سينتهج سلوكاً جديداً للحفاظ على مشروعه وفكرته.

البث المباشر