التدخل الخارجي في أي صراع بين الأطراف الداخلية في بلد ما لن يصب في مصلحة أي طرف بل سيكون وسيلة لتحقيق أهداف الجهات التي تريد التدخل في هذا الصراع وسيزيد الأمور تعقيدا والنهاية سقوط هذا البلد في براثن التدخل الخارجي والذي سيتحول إلى احتلال أجنبي الكل فيه خاسر، لأن التدخل لن يكون لسواد عيون أي طرف وليس دفاعا عن حقوق إنسان أو حريات فهذه أكاذيب كبيرة يجب ألا تنطلي على عاقل.
سوريا المراد لها اليوم أن تضرب عسكريا من أمريكا بعد استخدام أسلحة كيماوية من نظام الأسد أدت إلى مقتل ما يزيد عن ألف من المواطنين علما أن مئات الآلاف من السوريين قتلوا خلال الصراع القائم بين النظام والثوار ولم يحرك ذلك مشاعر أمريكا أو الغرب وكأن القضية أن القتل جائز وغير جائز والذي يحدد ذلك وسيلة القتل، وهنا يثار سؤال: هل قتل المواطن أو الطفل أو أي شخص كان بالسكين ليس جريمة وقتله باستخدام الغاز جريمة يعاقب عليها قانون أمريكا والغرب؟.
الجريمة هي الجريمة بغض النظر عن الأداة التي ترتكب بها، ولكن لكون وجود المواد الكيماوية لدى سوريا وقد يكون استخدامها دليلا على امتلاكها لهذا النوع من السلاح فهذا بحد ذاته يشكل خطرا ليس على الشعب السوري لأن الأحداث والمجريات الدائرة في سوريا وغيرها والتي أدت إلى سقوط الأبرياء بمئات الآلاف تدل على بلادة المشاعر الأمريكية الغربية، ولكن لظهور المواد الكيماوية هذا يعني أن هناك خطر بات يهدد أمن ربيبة أمريكا والغرب (إسرائيل) ويهدد بعض الدول المجاورة لسوريا والتي تحمي المصالح الأمريكية فيها وأن هذه الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد (إسرائيل) وضد محاضن المصالح الأمريكية من الأنظمة العربية حرك الإدارة الأمريكية والغرب من أجل التخلص من هذه المواد حتى لو كان ذلك من خلال عدوان عسكري واسع أو محدود لأن العبرة بتحقيق الهدف وهو تدمير قدرات الشعب السوري.
هذا لا يعني أن نظام بشار يجب أن يبقى بل على العكس يجب أن ينتهي وان يمكن الشعب السوري من تحقيق إرادته ولكن ليس عبر التدخل الأجنبي ولكن بدعم كل أحرار العالم للشعب السوري وثورته التي وحدها يجب أن تتولى مهمة إنهاء هذا النظام المجرم، لكن التدخل الأجنبي حتى لو أدى إلى إسقاط النظام لن يكون كذلك وها ما يؤكد عليه اوباما عندما يتحدث عن توجيه ضربة معقولة لبعض مفاصل النظام تهد من قواه ولكن لا تدمره وفي نفس الوقت قد تهد أيضا من قدرات المعارضة لأن المطلوب أن تبقى الحالة السورية على ما هي عليه دون تغليب جهة على جهة حتى حين وهذا الحين لن يأتي حتى تتيقن أمريكا والغرب و(إسرائيل) أن سوريا بعد الأسد تحتاج إلى عشرات السنين حتى تعود لها عافيتها بغض النظر من الجهة التي ستحكم سوريا الجديدة وبذلك تأمن أمريكا على مصالحها وتحفظ امن ربيبتها (إسرائيل).
رغم جاهزية الجيش الأمريكي لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا فور توقيع اوباما على القرار والذي أحيل إلى مجلسي الشيوخ والنواب لإقراره حتى يتحمل الجميع مسئولية هذا القرار فإن آثاره قد لا تتوقف على نظام الأسد بل قد تتعداه وسيكون له تبعيات وارتدادات على المنطقة التي لم تستوعب بعد مضار التدخل الأجنبي العسكري، وحتى اتخاذ القرار يكون نظام الأسد دبر أموره وحرك مقدراته وعندها ستكون الضربة العسكرية موجهة بشكل دقيق وقد يصل الأمر إلى أن تكون قد أخرجت بتوافق كل الأطراف تحفظ من خلالها الإدارة الأمريكية ماء الوجه وفي نفس الوقت لن تؤثر على مصالح الأطراف المختلفة والتي لها مصالح في المنطقة.
ورغم ذلك قد لا يوافق مجلسا الشيوخ والنواب على التدخل العسكري ولو عن بعد وهذا احتمال أميل إليه ولكن إن تمت الموافقة وتم ضرب سوريا فأعتقد أن الضربة العسكرية لن تؤثر على النظام وستكون الضربة مزدوجة للنظام وبعض أطراف المعارضة وفق تفاهمات متفق عليها مع روسيا وإيران، وإن كنت أميل وخاصة بعد تفكك التحالف الدولي باللجوء للقوة أن تستبدل القوة بفرض حصار وتجفيف منابع ضد النظام وضد المعارضة والعمل على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه حتى تنهك القوى وتدمر المقدرات وعندها تسهل السيطرة وفرض التبعية.
على المعارضة السورية أن تجد وسيلة غير التدخل الأجنبي لتحقيق أهدافها فقد تحملت سنوات ثلاث وقدم السوريون الملايين من أرواحهم ثمنا لحريتهم وعليه تحمل ذلك لفترة زمنية ومزيد من التضحيات والتي لن تكون بحجم ما سيقدم لو تم التدخل الأجنبي في سوريا والذي يشكل خطرا كبيرا على سوريا أرضا وشعبا.