سيكون مخطئا من يعتقد أن حركة "حماس" وحدها من سيدفع ثمن ما يجري على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر في جزء من عملية إقصاء الإسلاميين عن الواجهة السياسية بدءا بالإخوان ووصولا إلى "الحمساويين"، وهذا ما تؤكده الوقائع ميدانيا.
العمليات العسكرية القائمة في رفح المصرية أقصى شمال سيناء وإن بدت في ظاهرها عمليات هدم للأنفاق الواصلة إلى غزة فإنها تنذر بما هو أفظع من ذلك، ولاسيما مع الكشف عن زرع عبوات أرضية لاتهام المقاومة الفلسطينية بزرعها من أجل تهديد الأمن القومي المصري علما أن المقاومة ما فتئت تنفي مشاركتها في أي أعمال تهدد أمن مصر.
الجيش المصري أعلن مؤخرا أن ما يصفها بـ"العناصر الإرهابيّة" في سيناء كانت تستخدم أسلحة ثقيلة تعود إلى "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي علما أن تلك هي المرّة الأولى التي يوجّه فيها الجيش المصري أصابع الاتهام إلى حركة محسوبة على حلف إيران وسوريا بعد أن كانت مزاعمه بالتورّط في أحداث سيناء تستهدف جماعات سنيّة تنتمي إلى السلفيّة الجهاديّة أو إلى حماس.
المراقبون على الساحة الفلسطينية يرون في ذاك الاتهام أنه يعكس رغبة الجيش المصري في مواجهة فصائل المقاومة في غزة كافة وليس الاقتصار على كيل التهم ضد حركة حماس، "وما زج الجهاد الإسلامي إلا محاولة مصرية لضرب المقاومة في غزة بمختلف توجهاتها"، كما يقول المراقبون.
"لا أحد ينكر حجم الارتياح (الإسرائيلي) مما يجري في سيناء بدليل ما قاله رئيس الشعبة الأمنية السياسية في وزارة الحرب "عاموس جلعاد": "عملية المصريين مثيرة للإعجاب
"
القيادي في الجهاد الإسلامي خالد البطش قال بدوره في تصريح صحافي: "نؤكد أن ساحة المقاومة لحركة الجهاد هي فلسطين والعدو (الإسرائيلي) الذي يحتلّ الأرض (...) لم نمارس أي نشاط خارج فلسطين"، مطالبا الإعلام المصري بتوخّي الدقّة وإعادة تصويب المسألة ووقف زج أسماء الفصائل والمقاومة الفلسطينيّة في السجال المصري الداخلي.
ورغم اعتماد بعض الفصائل سياسة النأي بالنفس عما يجري على الحدود الفلسطينية-المصرية، فإنها ستقع فريسة لهجمات التحريض التي يؤججها الإعلام المصري يوما بعد يوم بحق الفلسطينيين وقوى المقاومة في غزة.
ومنذ الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز الماضي والجيش يشدد إجراءاته الأمنية على الحدود مع قطاع غزة مستهدفا أنفاق التهريب مع إغلاق جزئي وأحيانا كامل لمعبر رفح.
وتمارس قيادة الانقلاب المصري الجديدة تهديدا واضحا ضد حركة حماس في قطاع غزة على اعتبار أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمون في مصر بالتزامن مع دعوات مصرية إلى ضرورة توجيه ضربة إلى قطاع غزة.
"حماس" اعتبرت بدورها أن محاولات تشديد الحصار على الحدود مع غزة بهدم الأنفاق وإغلاق معبر رفح البري تأتي لإضعاف المقاومة.
وصرح القيادي في حماس صلاح البردويل بأن الحرب التي تخوضها السلطات المصرية على الأنفاق وتشديد الحصار على قطاع غزة يأتيان استكمالا لحملة إعلامية شرسة ضد المقاومة.
وقال: "للأسف الشديد قسم كبير من الإعلام المصري يشن منذ مدة طويلة حملة ضد حماس والمقاومة وقطاع غزة، وهو يحاول إلصاق تهم بالحركة لا علاقة لها بها".
ويظهر أن "حماس" تفهم جديدا أن الهدف مما يجري سياسي بامتياز، وهو شن حرب شاملة على كل ما هو إسلامي في المنطقة.ورغم ما قدمته حماس من توضيح حول رفضا التدخل في أي من الشؤون الداخلية المصرية على اعتبار أنها تمثل عمقا طبيعيا للشعب الفلسطيني، فإنها لا تزال تعاني حملة إعلامية ظالمة تهدف الضرب تحت الحزام بالنسبة للقطاع.
"رغم ما قدمته حماس من توضيح حول رفضا التدخل في أي من الشؤون الداخلية المصرية على اعتبار أنها تمثل عمقا طبيعيا للشعب الفلسطيني، فإنها لا تزال تعاني حملة إعلامية ظالمة تهدف الضرب تحت الحزام بالنسبة للقطاع
"
البردويل حذر في غضون ذلك من سعي بعضهم لحرف العقيدة العسكرية للجيش المصري عبر وجه في معركة ضد غزة أو الشعب الفلسطيني.
ودعا "كل ذي وعي وعقل وضمير في مصر" إلى أن يتصدى لما أسماه "الخبل" وأن يوقف ما وصفه "الحقد الأسود"، وقال: "من أراد أن يحقق انتصارا فليحققه ضد أعداء مصر وأعداء الأمة الحقيقين الصهاينة الذين يزرعون الفساد ليل نهار في كل أرض عربية إسلامية".
ولا أحد ينكر حجم الارتياح (الإسرائيلي) مما يجري في سيناء بدليل ما قاله رئيس الشعبة الأمنية السياسية في وزارة الحرب "عاموس جلعاد": "عملية المصريين مثيرة للإعجاب، لأنهم يدركون الآن أن حركة حماس تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي المصري (...) نحن سعداء بهذا الردع".
المحللون السياسيون أجمعوا بدورهم على وجود رغبة مشتركة لدى مصر والاحتلال في ضرورة القضاء على المقاومة وتجفيف منابعها وخطط إمدادها في سيناء.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة أسعد أبو شرخ أن ما يدور من تضخيم عن حجم ما يسمى "الإرهاب في سيناء" يهدف إلى الوقيعة بين قطاع غزة ومصر.
وأشار أبو شرخ إلى أن معاوني الاحتلال اختلقوا أكذوبة الإرهاب في سيناء للقضاء على أي تحركات للمقاومة الفلسطينية في المنطقة حفاظا على المصالح (الإسرائيلية).
ويتفق المحلل السياسي حاتم أبو زايدة مع ما قاله أبو شرخ في تأكيد أن الارتياح (الإسرائيلي) مما يجري في سيناء نابع من رغبة الاحتلال في تطهير المنطقة حفاظا على مصالحه.
وقال أبو زايدة: "دولة الاحتلال تعتقد أن تلك العمليات ستؤثر على إمكانات وقدرات المقاومة الفلسطينية".