كلنا متفقون أننا لا نعيش في مجتمع ملائكي، ولا نمر بظروف وردية، بل إن الأزمات الناجمة عن الاحتلال، وتبعات الاحتلال، من حصار وعدوان وخلافه، ومن ممارسات تهدف إلى تضييق الخناق على المجتمع الفلسطيني من أجل تركيعه، ليصل في نهاية المطاف إلى رفع راية الاستسلام، مروراً بالتضييق الاقتصادي وخلق الأزمات المالية، مما يغوي أصحاب النفوس الضعيفة لارتكاب أخطاء هنا وهناك من أجل تخطي هذه الأزمات، ولكن للأسف بتصرفات غير مقبولة، قد تصل إلى السرقة والتزوير وسلب حقوق الغير، وغيرها من تصرفات مرفوضة شرعاً وعرفاً وأخلاقاً. والموظفون بصفة عامة، والعاملون منهم في المؤسسات الخدماتية بصفة خاصة، والتي لها علاقة بالجمهور، ويقومون بمعاملات تأخذ طابع الايرادات والبعد المالي، عرضة أكثر من غيرهم للوقوع في إغواءات النفس وإغراءات المال، وخصوصاً إذا كانوا يمرون في ضائقة مالية.
وهنا تظهر التربية الإيمانية للأفراد، وهل وصلت إلى حد المراقبة الذاتية الكاملة على الأعمال الشخصية والتصرفات مع الآخرين، وخصوصاً في التعاملات المالية. هنا يظهر الفرق بين شخص وآخر، فلا رقيب لك إلا الله، قد لا يلاحظ مسؤولك في العمل أو حتى زملاؤك ما قمت به من أعمال، قد تكون أنت نفسك في وقت اليسرة غير راضٍ عنها، بل وتحاربها، وترفضها جملة وتفصيلا.
ولكن لأنك تمر في أوقات عصيبة، تحتاج فيها المال لسبب أو لآخر، فتزين لك نفسك الأمارة بالسوء هذا العمل وتبرره لك. وقد تتعود عليها مع تكرار هذا العمل، بل هذه الجريمة ، وتصبح أمراً مألوفاً، وقد تصل بك الحال إلى عدم إنكارها، حينها يجب عليك أن تصلي على نفسك أربعة تكبيرات بلا إقامة ولا ركوع أو سجود، فلقد ركعت لأهوائك، وسجدت لإغراءات دنيوية، زائلة لا محالة، وحتى إن استمتعت بأثرها في الدنيا، فكيف ستلقى ربك وقد أدخلت في جوفك الحرام وما اشتريته من حرام، حينها تلقى وعدك من الله شديد العقاب، واحمل مع أوزارك أوزار آخرين عاونتهم على الإثم والعدوان، وأوزار ذريتك الذين أطعمتهم من حرام. مع التأكيد على أن الأمر لا يتوقف على المعاملات المالية، بل يشمل كل أنواع التعامل مع الجمهور، وكل العلاقات بشتى أنواعها بين الموظفين ومن الجنسين، ومعرفة أي فعل أنه حلال أو حرام، وأنه قربى إلى الله أو معصية، تقوى أو عدوان، بر أو إثم، أمر بسيط جداً، وهين على من يتحرى رضوان الله، ويتطلع إلى الفردوس الأعلى، ففي كتاب الله تعالى، وسنة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، وفي شرعنا الحنيف توضيح لذلك، بل إن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة واضحة لذلك، حيث يقول: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس).
فاستيضاح أي أمر إن كان فيه إثم أو غير ذلك سهل وبسيط، لا يتطلب منك إلا أن تسأل نفسك: هل سنفعله أمام الآخرين، وخصوصاً زملاءك ومسؤولك؟ هل إذا علم به المسؤول سيشكرك عليه أم سيستجوبك ويعنفك، وربما يشكل لجنة تحقيق لك على فعلتك هذه؟. وهنا يأتي دور المسؤول في حماية موظفيه من الوقوع في هذه المشاكل، إما بتفعيل الرقابة الداخلية، أو بالمتابعة الدورية للعمل، وعدم السكوت عن أي هفوة أو خطأ مهما كان صغيراً يصدر هنا أو هناك. حتى لا يتجرأ مرتكب الخطأ أو زملاؤه على تكراره، أو ارتكاب خطأ أكبر، فتقع الواقعة التي لا يحمد عقباها. وتنزيل العقوبة بالمخطئ بكل تأكيد يساهم في دحر هذه الأخطاء ومنع تحولها إلى ظاهرة.
ومن وسائل حماية الموظفين اتباع سياسة التدوير، فلها أكثر من فائدة منها تجديد الدماء، ونقل الخبرات، والتطهير، وتحريك المياه الراكدة والتي هي أكثر عرضة لنقل الفيروسات الضارة. وهنا يجب على المسؤول الإسراع في معالجة مثل هذه الأمور وعدم التستر عليها، فعلاجها يسجل له، مهما كان العلاج حتى لو كان فصل الموظف من عمله، فبسكوته يساهم في نشر الفاحشة والإثم. وعلى الموظفين أن يراجعوا أنفسهم دائماً، وأن يسألوها دوماً، هل هذا العمل فيه خير؟ أم فيه... إثم.