رغم ما شهدته الضفة المحتلة خلال الشهرين الأخيرين من حراك للمقاومة احتدم بمواجهات في مخيم قلنديا للاجئين، وحادث إطلاق نار في جنين مرورا بمقتل جنديين في قلقيلية والخليل، وليس انتهاء بتحركات شبابية رافضة للاستيطان والمفاوضات، فإن سياسة التنسيق الأمني الفلسطيني-(الإسرائيلي) التي تتباهى بها السلطة تحكم الأصفاد على معصمي المقاومة في الضفة ما يشير إلى أن حراك المقاومة لن يشعل فتيل انتفاضة ثالثة كما يرى مراقبون للشأن السياسي.
وعلى ما يبدو، فإن حالة التفاؤل التي انتابت بعضهم بشأن عودة زمن العمليات النوعية للفصائل الفلسطينية في الضفة بددتها تصريحات مسؤول أمني (إسرائيلي) للإذاعة الثانية عن استمرار التنسيق الأمني بين السلطة و(إسرائيل) للقبض على منفذ عملية الخليل الأخيرة واستمرار تجفيف منابع العمل العسكري.
ما يحدث اليوم في الضفة الغربية يعيدنا إلى إرهاصات الانتفاضة الأولى حين كانت ترتفع وتيرة المواجهات بين حين وآخر رغبة في هبة شعبية لكن العمليات العسكرية (الإسرائيلية) سرعان ما تعود إلى إحكام الخناق على المقاومة في ظل استمرار المشاريع السلمية والتنسيق الأمني.
ونقلت الإذاعة العامة العبرية عن مصادر أمنية في جيش الاحتلال (الإسرائيلي) يوم الإثنين الماضي قولها: "حادثتا قتل الجنديين (الإسرائيليين) في قلقيلية والخليل لن تؤثرا على علاقة (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، فالتنسيق الأمني بين الجانبين لا يزال مستمرا للقبض على منفذي عملية الخليل".
وأضافت المصادر للإذاعة: "من غير المتوقع أن يؤثر مقتل الجنود (الإسرائيليين) على العلاقات مع السلطة، فهناك تنسيق أمني وطيد وحرية في الدخول إلى مناطق الضفة مع عمليات اعتقال تجري كل ليلة".
مبادرات فردية
ولا يختلف اثنان على أن عملية الخليل ومن قبلها قلقيلية نتاج طبيعي لحالة الغضب التي تنتاب الشارع الفلسطيني مع استمرار العدوان (الإسرائيلي) على الضفة والقدس وغزة، إذ تزامنت العملية مع تواصل دعوات المستوطنين إلى مسيرات نحو القدس لتقسيمها واستمرار بناء المستوطنات والجدار، وانسداد أفق أي حل سياسي.
الفصائل الفلسطينية باركت بدورها العملية واصفة إياها بالنوعية بعدما أدت إلى مقتل جندي (إسرائيلي) بنيران قناص فلسطيني استهدفه عند حاجز عسكري قرب الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة.
في ذلك الحين، استبعد عثمان عثمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس أن تشعل عملية الخليل فتيل انتفاضة ثالثة، منوها إلى أنها ضمن مبادرات فردية وليست منظمة.
وكانت مصادر إعلامية عبرية قد كشفت عن أن الأجهزة الاستخبارية (الإسرائيلية) لم تمتلك أي معلومات حول نية مجموعات أو أفراد فلسطينيين تنفيذ هجمات في البلدة القديمة في الخليل ومع ذلك فإن حالة استنفار سادت أوساط جيش الاحتلال لتأمين حماية المستوطنين الذين كانوا يحتفلون في الحرم الإبراهيمي بعيد العرش اليهودي.
ولفت عثمان إلى أن الشعب الفلسطيني ليس ناضجا لتفعيل حراك المقاومة، عازياً ذلك إلى العوامل المسلطة على رقبته وأبرزها التنسيق الأمني مع الجانب (الإسرائيلي).
وأوضح المحلل السياسي أن السلطة تسعى جاهدة إلى إلغاء الوعي الثوري ضد الاحتلال بعودتها إلى المفاوضات وتمسكها بقمع أيادي المقاومة في الضفة، مشددا على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكل أنواعها.
استياء من التنسيق
الاستياء في الشارع الفلسطيني من استمرار التنسيق الأمني بين السلطة والكيان (الإسرائيلي) هو سيد الموقف، وفي السياق فإن عثمان نبه إلى أن استمرار المفاوضات مع الاحتلال (الإسرائيلي) يصعد وتيرة الاستيطان وتهويد القدس، مشيرا إلى أن (إسرائيل) ستفرض مزيدا من الضغوط على السلطة لمنع وقوع حراك شعبي مقاوم.
وقال: "(إسرائيل) تسعى إلى تفعيل تنسيقها الأمني في ظل ما تشهده الضفة بعد عمليتي قلقيلية والخليل ما يضع السلطة أمام تحديات"، وتابع: "القابلية موجودة لدى رام الله بشأن استمرار تعاونها مع المحتل".
ودعا أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الفصائل إلى تفعيل المقاومة بكل أنواعها في الضفة الغربية، "وتحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة لمواجهة جرائم الاحتلال (الإسرائيلي)"، منبها المقاومة إلى تطوير أدواتها ووسائلها القتالية.