قائمة الموقع

كيف يسيطر حيتان المال على الاقتصاد الإسرائيلي؟

2013-10-08T10:11:18+03:00
(أرشيف)
القدس المحتلة- الرسالة نت

استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة سيطرة كبار الأثرياء في (إسرائيل)، أو بحسب إحدى تسمياتهم "حيتان المال"، على الاقتصاد ومجريات الأمور.

وهذا لم يعد يبرز في مواسم الانتخابات التشريعية والبلدية فحسب، بل أيضا في الحياة اليومية، وبات ظهورهم على سطح الأحداث علنا أكثر من ذي قبل، ولم يعد خفيا على الحلبة (الإسرائيلية) أنهم يلعبون دورا مركزيا في كل القرارات المركزية، وبشكل خاص تلك التي تحدد السياسة الاقتصادية.

منذ مطلع سنوات التسعين من القرن الماضي حصل تحول كبير في العلاقة بين رأس المال والحكم في (إسرائيل)، في إطار سعي المؤسسة (الإسرائيلية) إلى الاستفادة من المتغيرات العالمية الحاصلة، وبدء مرحلة العولمة، مع تفكك المعسكر الاشتراكي، وانفتاح أسواق عالمية، وسعي المؤسسة على وجه الخصوص إلى إعادة المستثمرين (الإسرائيليين) والأجانب إلى (إسرائيل)، بعد أن غادروها بشكل خاص في سنوات الثمانين، على وقع الحروب وانتفاضة الحجر وانعكس هذا على الاقتصاد (الإسرائيلي) سلبا.

كما استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة السيطرة على الاقتصاد، ومدخرات الجمهور، خاصة بعد إقرار قانون طرح توفيرات صناديق التقاعد في البورصات وأسواق المال، وباتت مصدرا للقروض الضخمة لكبار الأثرياء، بالشروط المسهلة، لتكون توفيرات الناس البسيطة عرضة للخسائر، في حين أن ما يطالها من أرباح يكون جزئيا، فيما تصب الأرباح الأكبر في جيوب كبار المستثمرين، وتكشفت في هذا المضمار قضايا فساد، أقرب إلى نهب أموال الجمهور الواسع، وإحدى هذه القضايا تدور الآن في المحاكم (الإسرائيلية).

واستفحل لاحقا التغلغل في السياسة الاقتصادية، وإلقاء ثقل حيتان المال لمنع اتخاذ قرارات لا تخدم مصالحهم، كما سنقرأ هنا لاحقا.

يذكر الكاتب (الإسرائيلي) إيتان أفريئيل أشكال ووسائل السيطرة في تقرير نشره في صحيفة "ذي ماركر"، ويعرض فيه خيوطا كثيرة لشكل هذا التأثير على الاقتصاد ومجريات الأمور.

يعدد أفريئيل أشكال ووسائل السيطرة: أولا، يبدأون في السيطرة على شركة أو مجموعة شركات ناشطة، من خلال شراء أسهم وتحويلها إلى مركز ثقل في قرارات الشركة، ثم يعينون مدراء عامين كبارا، ولهم ارتباطات مع المؤسسة الحاكمة، ويبدأ هؤلاء بمحاولة خلق علاقات وثيقة مع شركات الاستثمارات المالية في أسواق المال، وهذا لكون أسواق المال تسهل القروض لكبار الأثرياء، الذين يحيطون أنفسهم بعدد من "المستشارين" بهدف إقامة علاقات مباشرة مع مسئولين في المؤسسات الرسمية.

السيطرة على وسائل الإعلام

ويرى الكاتب إيتان أفريئيل أن كل ما سبق من وسائل وأدوات للوصول إلى المؤسسة الحاكمة، لن يكون ذا مغزى قوي، من دون إقامة روابط وحتى تحالف ولنقل سيطرة ما على وسائل الإعلام، "فقط من خلال السيطرة على وسائل الإعلام يمكن تحقيق التأثير الأهم، وهو التأثير على الرأي العام الشعبي، والسيطرة على شكل تفكيره" في مجريات الأمور في البلاد.

وقد استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة السيطرة على وسائل الإعلام التجارية المركزية في (إسرائيل)، من قبل كبار المستثمرين، وبشكل خاص السيطرة على الصحف الكبرى ومحطات التلفزة واسعة الانتشار، وخاصة القناتين الثانية والعاشرة، وهذه القضية طرحت أكثر من مرّة على بساط البحث في الكنيست وفي أوساط معينة.

فسوق الإعلام ضعيفة، والأرباح فيها قليلة جدا وهامشية، وغالبية الأطر التي تعمل فيها في السنوات الأخيرة تعاني من تراجع مالي كبير جدا، يجعلها غير حصينة في وجه الأزمات، وأحد أسباب هذا الضعف هو التغيرات المتسارعة في سوق الإعلام، وأمام وضع كهذا تتحول وسائل الإعلام من ذراع للمسؤولية تجاه المجتمع إلى ذراع استراتيجية لحماية مصالح أصحاب رأس المال.

وتدفق كثير من المال في السنوات الأخيرة على وسائل الإعلام، وأعاد "التنفس الاصطناعي" إلى وسائل إعلام عديدة، مثل القناة العاشرة للتلفزيون، وشركة "ريشت" التي تدير قسما من القناة الثانية للتلفزيون، وصحيفة "معاريف"، وهذه الأموال لم يتم رصدها لأهداف استثمارات مالية ربحية.

وحقيقة أن أصحاب رأس المال يوظفون أموالهم بهذا الشكل، وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي القائم في وسائل الإعلام، تعكس ظاهرة الاحتكارات في الاقتصاد (الإسرائيلي)، وتركيز الكثير من المصالح في أيدي عدد قليل من المستثمرين، وهذا الأمر يخلق حواجز تحافظ على الكارتيلات والاحتكارات الكبرى في وجه أي منافسة محتملة.

ووسائل الإعلام من شأنها أن تصبح أداة مساعدة لمنع إزالة هذه الحواجز، وتقلل من الحماسة للمنافسة، وهذا يعني حماية مباشرة لمصالح أصحاب رأس المال، "وهذه البيئة المسممة" آخذة بالاتساع في جميع وسائل الإعلام، وشيئا فشيئا باتت متعلقة بالمتمولين فيها، أكثر من التعلق بالرسالة التي تحملها الصحافة، فهذا ما جرى في صحيفة "معاريف" التي تحتضر منذ سنوات طويلة، وغيرها من وسائل الإعلام.

ويلفت أفريئيل إلى أن وصول كبار المستثمرين إلى وسائل الإعلام لا يتم فقط من خلال شراء الأسهم والمساهمة، بل أيضا من خلال إقامة علاقات مباشرة مع أصحاب وسائل الإعلام، أو كبار أصحاب الأسهم، وقد تكون هذه العلاقات شراكات في شركات اقتصادية أخرى.

ويركز أفريئيل النظر على تشعب علاقات عائلة موزس، التي تملك صحيفة "يديعوت أحرونوت"، متهما الصحيفة بأنها تحمل أجندة صاحب الجريدة.

**المشهد مخيف!

يقول أفريئيل إنه "حينما ننظر من الأعلى، على الأمور الواضحة للعيان والمكشوفة، وعلى الأمور الخفية، فإن مشهد قوة وتأثير "نادي الأثرياء" على المؤسسة الحاكمة وعلى مجريات الأمور مخيف للغاية، فإن "نادي الأثرياء" سوية مع حلفائه في وسائل الإعلام، لديهما تأثير كبير على أسواق المال، واستخدام أموال صناديق التقاعد وتوفيرات الجمهور. كما أن لديهما تأثيراً على شكل استهلاك الجمهور، وعلى توجهاته وشكل تفكيره، وعلى وعي الرأي العام.

ويضيف أفريئيل "كما أن لهذا "النادي" تأثيراً على قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وهو يمارس الضغوط ويؤثر على رئيس الحكومة، وهو لا يتردد في التأثير والضغط بكل الوسائل على الوزراء وأعضاء الكنيست، وغيرهم من كبار المسؤولين في دوائر القرار، وهكذا، مرة أخرى من خلال وسائل الإعلام يحاول النادي التأثير بقوة على تفاعل الجمهور مع الأحداث".

ويقول أفريئيل إن "النادي" لا يضم الكثير من الناس، وإنما بضعة آلاف قليلة من رجال الأعمال وأصحاب البنوك وشركات الاستثمارات المالية ووسائل الإعلام، ومسؤولين في الشركات الحكومية والمؤسسات، والشركات الكبرى، ومعهم عدة سياسيين، ولكنه "ناد" يؤثر على مجريات الأمور، لا أقل من منتخبي الجمهور.

ويعرض أفريئيل نموذجا ليس بعيدا لسيطرة حيتان المال على مجريات الأمور، إذ يعود إلى حملة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن (إسرائيل) في صيف العام 2011، فحينما بدأت الانتقادات توجه إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته كلها، حظيت الحملة بتغطية إعلامية واسعة، لكن حينما بدأ الخطاب يتجه أيضا إلى انتقاد حيتان المال، والشركات الاحتكارية، فقد سعت وسائل الإعلام إلى إسكات حملة الاحتجاجات تلك.

ويعدد أفريئيل نماذج أكثر، مثل عدم "النجاح" في تخفيض أسعار البيوت الباهظة، والتي تعد من الأغلى عالميا، وكذا أيضا بالنسبة لغلاء المعيشة مقارنة بمعدلات الرواتب، إذ هو أيضا يعد من الأغلى في العالم، ويقول إن أعضاء "النادي" يتذمرون دائما من أوضاعهم الاقتصادية، كي يمنعوا أي تخفيض في أرباحهم السنوية.

عكا أون لاين

اخبار ذات صلة