قائمة الموقع

"القرار اليتيم" لحكومة الوفاق بشأن غزة يحمي حيتان المال!

2014-09-17T16:50:40+03:00
غزة-أحمد الكومي

في الوقت الذي ينتظر فيه الفلسطينيون بغزة من حكومة الوفاق خطوات وإجراءات عملية تضمد جراحهم، أصدرت قرارا لا يخدم الصالح العام، بقدر ما يحمي ويخدم "حيتان المال" في الحكومة وخارجها، والأخطر من ذلك أنه يحوي مخالفات قانونية وقضائية "جسيمة"، عدا عن تسببه بخسائر تقدر بملايين الشواكل.

يختص القرار بـ "معركة قضائية" عمرها نحو ثلاث سنوات، استنفدت كل مراحلها القانونية، تتعلق بمستحقات ضريبية على شركة الاتصالات الفلسطينية الخلوية "جوال"، لصالح بلديات قطاع غزة. وأقر القانون حق البلديات، التي يقوم عملها على خدمة المواطن الفلسطيني، لكن القرار الذي أصدره وزير الحكم المحلي بحكومة الوفاق "نايف أبو خلف"، أسقط هذا الحق بأثر رجعي، في "سابقة قضائية خطيرة".

تضارب مصالح

البداية كانت من تاريخ 4/3/2012م بعدما أصدر وزير الحكم المحلي الأسبق، الدكتور يوسف المنسي (نظام بشأن ضريبة الحرف والمهن للاتصالات اللاسلكية المحمول)، بموجب قانون الهيئات المحلية الفلسطينية لسنة 1997م، الذي يعطي صلاحيات لوزير الحكم المحلي بإصدار أنظمة تتعلق بفرض الرسوم والضرائب المستحقة للهيئات المحلية.

وينص النظام الذي أصدره الوزير المنسي، على فرض رسوم مستحقة على محطات الإرسال الخاصة بشركة جوال، التي تقيمها في الساحات وعلى أسطح المنازل، إضافة إلى معارضها الرئيسية والفرعية.

ولم يلق النظام استحسان "جوال" التي سارعت إلى الطعن فيه لدى المحكمة الدستورية العليا، التي تعتبر أعلى مرتبة في القضاء لإلغاء القوانين والأنظمة، (طعن رقم 3 على سنة 2012)، والتي قررت قبول الطعن شكلا لكنها رفضته مضمونا، وأكدت قانونية النظام وكل المتعلقات بالقضية التي رفعتها ضد الشركة، بلدية جباليا شمال قطاع غزة، "بحكم أنها أول من تنبّه لهذه المسألة، وأول من سنَّ النظام الخاص بالحرف والأملاك"، على ما أفاد رئيسها عصام جودة.

وكشف جودة لـ "الرسالة" أن "جوال" كانت أثناء نظر الطعن الدستوري، قد تقدمت بكتاب لبلديته تطالب فيه بتركيب محطات إرسال إضافية وترخيصها بدفع مبالغ مالية، وتعهدت بموجب هذا الكتاب خطا، والتأكيد تكرارا أنها ستدفع جميع المستحقات، وفق ما تقرره المحكمة الدستورية، والتي تقدر بمليون و260 ألف شيكل.

لكن "جوال" تجاهلت كل المراسلات التي وجهتها لها بلدية جباليا لدفع هذه المستحقات، المترتبة على محطات الإرسال، التي تقع ضمن نفوذ البلدية من تاريخ صدور النظام عام 2012، فاضطرت البلدية إلى إخطار الشركة قانونيا بدفع المبالغ خلال المدة القانونية المحددة في الإخطار، وبعد ذلك، رفعت "قضية تنفيذية" في محكمة بداية غزة من أجل تحصيل المستحقات.

ويروى جودة أن الشركة تقدمت باعتراض لدى دائرة التنفيذ في نفس المحكمة، لكنها رفضت الاعتراض، فتوجهت إلى تقديم قضية لدى محكمة الاستئناف في غزة؛ من أجل استئناف القرار الصادر عن قاضي التنفيذ في القضية التنفيذية رقم (1922).

وقال: "بعد عدة جلسات، صدر قرار بقبول الاستئناف شكلا ورفضه مضمونا، وإلزام شركة جوال بدفع المستحقات، وتم مطالبتهم من قبل المحكمة، إلا أن جوال تجاهلت الالتزام بدفع المبلغ وبما تعهدت به مسبقا للبلدية خطا"، مضيفا: "بعد ذلك، وحسب الإجراء القانوني تم تقديم طلب من مستشار أو وكيل البلدية لدائرة التنفيذ في القضية التنفيذية للحجز على أموال الشركة لدى البنوك العاملة في قطاع غزة".

وأشار رئيس البلدية إلى أنه تم تبليغ قرار المحكمة لجميع البنوك بتاريخ 1/7/2014، وأن جميع البنوك وقعت بالاستلام لتنفيذ القرار، "إلا أنها للأسف الشديد تواطأت من شركة جوال نتيجة تدخلات خارجية"، وفق قوله.

وتابع: "هناك تضارب مصالح، بعض الأشخاص المتنفذين لهم مصالح لدى جوال، وكانوا مسؤولين فيها، وأحدهم عضو في مجلس إدارة بنك فلسطين، وهو الآن وزير في حكومة الوفاق"، موضحا أن قرارا لاحقا صدر بعد ذلك من المحكمة بإلزام بنك فلسطين بإصدار كشف حسابات للبلدية بالحركة اليومية للبنوك ومدخولاتها، "إلا أن البنوك رفضت مرة أخرى".

ومضى يقول: "بعد ذلك تم تحويل كتاب إلى بنك فلسطين تحديدا من أجل تحويل المبلغ المحكوم لحساب بلدية جباليا لدى البنك نفسه، لكن للأسف لم يتم تنفيذ قرار المحكمة، وبعد هذه التدخلات من المتنفذين وتضارب المصالح، تفاجأنا بصدور قرار من وزير الحكم المحلي في حكومة الوفاق الدكتور نايف أبو خلف بتاريخ 10/9/2014، بإلغاء النظام الصادر عن الوزير المنسي، ووقف العمل به، وإلغاء جميع الآثار القانونية التي ترتبت على تطبيق أحكام هذا النظام في المحافظات الجنوبية، اعتبارا من تاريخ صدوره، بمعنى أنه تم إلغاء النظام بأثر رجعي، وهذا مخالف لنصوص الدستور والقانون، وهذه سابقة خطيرة للأسف".

ونبه جودة إلى أن الوزير خلف حين أصدر القرار لم يكن قد تشاور مع وزارة الحكم المحلي في غزة ولا مع البلديات في القطاع، مبينا أن الوزارة بالضفة أرسلت صورة عن القرار بالفاكس إلى غزة، مرفقا فيه الرأي القانوني.

رأي قانوني خاطئ

المفاجأة كانت للوزارة والبلديات في غزة، أن الرأي القانوني لمستشار الوزارة بالضفة يستند إلى قانون ضريبة الحرف والمهن الساري في الضفة رقم 89 لسنة 1966، وهو قانون أردني يطبق في المحافظات الشمالية (الضفة الغربية)، ولا يطبق في قطاع غزة.

وقال جودة: "يطبق في غزة قانون خاص رقم 230 لسنة 1927 بشأن تنظيم الحرف والصناعات، وكذلك الأمر 413 لسنة 1972 الساري المفعول حتى الآن"، مستدركا: "مستشار الوزارة بالضفة استند إلى رأي قانوني خاطئ، وكذلك استند في أن النظام الصادر عام 2012 ليس قانونيًا، وأنه يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء، مع العلم أن المحكمة الدستورية كانت قد أكدت قانونية النظام، وهذه سابقة قضائية، فالأحكام الصادر عنها تعتبر في مرتبة القانون".

واعتبر رئيس بلدية جباليا، أن قرار الحكومة جاء لجوال كـ "طبق من ذهب"، "والآن ستتقدم الشركة للمحكمة من أجل عرقلة تنفيذ الأحكام، باعتباره صادر عن وزير الحكم المحلي"، مؤكدا أن هذا القرار سيكبد بلديات قطاع غزة في سنة 2014 ما يقارب من 15 مليون شيكل، "كان مقررا جبايتها من جوال"، ثم لاحقا سيكبد بلديات القطاع خسائر سنوية قيمتها 5 مليون شيكل.

ثلاثة اتجاهات لمواجهة القرار

وحول خطوات البلدية لمواجهة هذا القرار، ذكر جودة أنها سيسيرون نحو ثلاثة اتجاهات: الحجز بالقوة الجبرية من حسابات شركة جوال، والتوجه إلى ديوان النائب العام لتقديم شكوى رسمية ضد بنك فلسطين؛ بسبب مخالفته الأوامر المشروعة، "التي تشكك في نزاهته وشفافيته، وتثير شبهات قوية بالتواطؤ مع جوال، وسنرسل صورة عن هذه الشكوى إلى رئيس سلطة النقد الفلسطينية".

والاتجاه الثالث -وفق رئيس البلدية-"الاستعانة بالقوة، عبر التوجه للشرطة. ويبدي جودة أسفه لهذا الاتجاه "لأن المسألة تعدت بلدية جباليا إلى ما هو أبعد من ذلك، بإدارة الظهر للقضاء الفلسطيني"، كما قال.

وبيّن أنهم سيرسلون إلى وزير الحكم المحلي مذكرة قانونية حول قراره إلغاء النظام، وبشكل خاص، الجزئية المتعلقة بسريانه بأثر رجعي، من أجل أن يعيد النظر به "لأن فيه مخالفة قانونية".

وتجدر الإشارة إلى أن بلدية خانيونس تعتبر طرفا في "المعركة القضائية"، حيث تبلغ المستحقات من شركة جوال لصالحها، أكثر من 1.5 مليون شيكل، عن ثلاث سنوات. ويقول رئيسها يحيى الأسطل لـ "الرسالة"، إنهم ينتظرون النظام الذي سيصدره الوزير بعد القرار "لأن من يلغي نظاما، فعليه أن يصدر آخرا"، مستدركا: "نحن ننتظر، ولكل حادث حديث".

وأكد الأسطل أن القرار كبّد البلديات خسائر مالية، كانت ستساهم في تمكينها من القيام بدورها في خدمة المواطنين.

وتعليقا على قرار وزير الحكم المحلي، أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى، عبد الرؤوف الحلبي، أن ما يصدر عنهم من أحكام "هي واجبة التنفيذ، ولا يستطيع أي وزير، أن يؤخر هذا التنفيذ". وقال: "إذا وصلت هذه القضية إلينا، فنحن لنا تنفيذ خاص عبر الشرطة القضائية، وحينها، فإننا لن ننظر إلى قرار الوزير ولن نعتبره، وسننفذ أحكامنا القضائية دون تأخير، وحسب الأصول".

وشدد على أن القضاء مستقل، وأنه "لا يجوز لأحد أن يتدخل أو يغير في نمط عملنا، واحترامنا لقراراتنا النافذة".

وعلى نحو متصل، ذكر رئيس بلدية جباليا، جودة، أنه التقى وزير العدل في حكومة الوفاق، سليم السقا "بناء على طلبه"، وأبلغه بوجود تواصل على أعلى المستويات في الحكومة، وقال: "الوزير أكد لي أنه لا يستطيع كائنا من كان أن يتعدى على أحكام القضاء والقانون"، علما بأن السقا نفسه كان قد هاتف رئيس بلدية خانيونس، الأسطل، وطلب منه التريث قليلا في الإجراءات، وأخبره بأن رئيس الوزراء رامي الحمد الله سيكون له إجراء في الموضوع، ليتفاجؤوا بإصدار وزير الحكم المحلي قرار إلغاء النظام، في تنكر وتجاهل واضح لغزة، وحماية لحيتان المال في الحكومة وخارجها.

اخبار ذات صلة