محمد عاصي أحد أبرز المقاومين في الضفة الغربية استشهد على يد قوات الاحتلال (الإسرائيلي) بعد مواجهة عسكرية استمرت ساعات، وقد كان متحصنا في مغارة غرب مدينة رام الله، الشهيد هو أحد المشاركين الرئيسيين في عملية تفجير الباص بـ (تل أبيب) أثناء حرب حجارة السجيل.
يبدو أن المقاومة في الضفة الغربية قد عادت لسياستها البدائية حيث يغلب عليها العمل الارتجالي أكثر من التنظيمي، فهناك مساحة تحرك للأفراد أكثر من التنظيمات، فللأسف سياسة التنسيق الأمني والملاحقة المتواصلة من قبل أجهزة أمن السلطة للمجموعات والفصائل آتت أكلها، حيث خدمت هذه السياسة الاحتلال الصهيوني كما لم تُخدم من قبل، فجففت منابع المقاومة وضربت فصائلها، وأحبطت العمليات النوعية قبل حدوثها، فوهبت المحتل هدوءاً لم يشهده من قبل، فنفذ مشاريعه التهويدية بسهولة ويسر.
بيئة الضفة وسط التنسيق الأمني أربك المقاومة وأثر بها تأثيرا بليغا، فلجأ العقل الثوري لتغيير سياسته وتبني العمل بالغ السرية والتعقيد، حيث يشترك شباب يافع في التجهيز والتخطيط لمهاجمة الاحتلال وتنفيذ العمليات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ومرجعيتهم الفكرية، مما أوجد حالة نضالية فريدة أجدها إيجابية ويمكن البناء عليها والمطلوب تشجيعها بغض النظر عن الفكر التقليدي الفلسطيني المغرق بالتمييز والتفصيل.
لا يهم الشعب الفلسطيني الخلفية الفصائلية للشهداء خصوصا في هذه المرحلة المعقدة، ما يهمه أن تبقى جذوة الصراع مشتعلة؛ وأن تنفذ عمليات نوعية ضد الاحتلال (الإسرائيلي)، ولهذا أي عمل مقاوم من فصيل وطني إن كان إسلاميا أو يساريا يصب حتما في مصلحة المشروع التحرري.
لم أتعجب من مسارعة أكثر من جهة لتبني العمل المقاوم والشهيد؛ رغم تبعات وتكلفة هذا التبني فهذه منافسة إيجابية وبناءة. تخلق أجواءً ورُوحا ثورية في الضفة الغربية، وتفعل العمل المقاوم وتهيئ البيئة لاستئناف الثورة الفلسطينية.
تباهى موشيه يعلون وزير الحرب (الإسرائيلي) باغتيال الشهيد محمد عاصي واعتبره إنجازا كبيرا لجيشه، وطمأن الجمهور الصهيوني عن عدم وجود مؤشرات على نشوب انتفاضة ثالثة، إلا أن جيشه سيستمر في الاستعداد لأي تصعيد، وهذا يدلل على مدى هلع الاحتلال من أي انتفاضة قادمة.
من المؤكد أن يعلون لا يعتمد على جيشه الذي فشل مرارا وتكرارا في التصدي لشعبنا وثورته، وإنما هو واثق في سياسة التنسيق الامني والتعاون المشترك الذي أفرز أجهزة أمنية فلسطينية لكنها تخدم الاحتلال من حيث تدري أو لا تدري، بعد تشويه عقيدتها الوطنية وبعثرة أولوياتها وإغراقها بالأموال.
هناك قلق (إسرائيلي) حقيقي من اندلاع انتفاضة ثالثة، فهي الصخرة التي ستحطم مشاريعه التهويدية في الضفة الغربية، لهذا يعمل اليوم بتسارع كبير على إتمام تدمير الضفة وقضم أراضيها وإنهاكها من أي معلم فلسطيني، ويحشر سكانها بكنتونات متفرقة كبداية للتخلص منهم بعد تهويد الاغوار وترسيم المستوطنات.
أملنا ان تفوق السلطة وترفع يدها وقبضتها الأمنية عن فصائل المقاومة وعن الشعب الفلسطيني؛ وأن يتحرك شباب حركة فتح وكتائب الاقصى وجميع القوى الحية لتدارك كارثة تدمير الضفة وابتلاعها وتفتيتها، فالانتفاضة القادمة هي الحل الوحيد أمام شعبنا لإنقاذ ما يمكن انقاذه.