لا شك أن كل عربي يفرح لتحريرأي فلسطيني أو عربي من الأسر الصهيوني، علمًا أن أسرى الحرية في العالم العربي لا يقلون عددًا.
الحرية هي مطلب كل حيوان، فما بالك ببني البشر الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، وخصوصًا أولئك الذين دقوا بقبضاتهم المضرّجة أبواب الحرية الحمراء، وأفنوا أعمارهم وراء القضبان فداء لحرية شعبهم، فُحرموا من دفء العائلة، وذاقوا المهانة والإذلال والتنكيل، وخاضوا صراع بقاء يومي لا يدري به وبتعقيداته سوى رب العالمين، فكل مطلب لهؤلاء مهما كان تافهًا له ثمن باهظ. كلنا نذكر إضرابات سجناء الحرية إداريين وغير إداريين، والمعاناة الصحية التي يتعرضون لها، والعلاج والدواء الموحّد لجميع الأمراض والمرضى، والتعذيب السادي لمن يحتاج منهم عملية جراحية.
كل هذا لأنهم قاوموا احتلالا يغتصب أرضهم وينهب خيرات بلدهم ويدنس مقدساتهم ويعمل على تركيعهم واستعبادهم وتهجيرهم من وطنهم كي يستأثر به.
لهذا نفرح لتحرر كل أسير، نفرح لفرحته ،وبعودته إلى أحضان أسرته الصغيرة ووطنه الكبير، خصوصًا عندما ترى أمهات وشقيقات وآباء وعائلات الأسرى يرقصون ويدبكون في حلقات وهم يستقبلون أبناءهم والمهنئين بالدموع، فلكل أسير أهل ومحبون وأحلام وحياة يريد أن يعيشها.
هذه الصفقة يقول نتنياهو وغيره من مسؤولين في حكومته إنها تخدم مصلحة إسرائيل الاستراتيجية!
أمريكا ضغطت لإعادة الفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات المتعثرة، ولكن كيف يمكن إعادتهم!
كان على نتنياهو أن يقدم شيئا ما كغطاء لعودة أبي مازن للمفاوضات، ولكنه يرفض أي وقف للبناء الاستيطاني، بل لا يكاد يمر أسبوع حتى يعلن موافقته على المزيد منه خصوصًا في القدس ومحيطها.
كذلك فهو يرفض تحديد أين تقع حدود الدولة الفلسطينية المفترضة التي يتم التفاوض لأجل الوصول إليها، فكان أمام نتنياهو خيار تحرير عدد من الأسرى، هؤلاء كان يجب إطلاق سراحهم أصلا بعد توقيع اتفاقات أوسلو مباشرة.
تحرير ستة وعشرين أسيرًا يُظهر السلطة الفلسطينية وكأنها حققت إنجازًا ما، كذلك يُظهر بأن الاحتلال قابل للتفاوض والتفاهم ومستعد للتوصل إلى نتائج، وهكذا يمنح السلطة الفلسطينية التي لم تحقق شيئًا على الأرض غطاء للعودة إلى المفاوضات العبثية، فقد أعلن الرئيس أبو مازن أثناء استقبال الأسرى قبيل فجر الإربعاء إنه لن يوقع على سلام إلا بإطلاق سراح جميع الأسرى، في تجاهل واضح للاستيطان المستمر وللقدس وحدود الدولة الافتراضية.
من جانب آخر قامت وتقوم سلطات الاحتلال قبل وبعد إطلاق سراح هؤلاء الأسرى بحملة اعتقالات وبتنسيق مع أجهزة السلطة الفلسطينية في معظم الحالات، الأمر الذي يعني، نطلق سراح واحد ونعتقل مكانه اثنين.
الاحتلال لا يكتفي بالاعتقالات، فهو يقتل ويفتك بأسرى سبق أن حُرّروا أو أنه يعيدهم إلى السجن لإكمال محكومياتهم بحجة عودتهم إلى مقاومة الاحتلال، حتى ولو كان تظاهرة سلمية بسيطة.
في المقابل فإن البناء الاستيطاني لا يتوقف ولا حتى لساعة واحدة كذلك هدم منازل المقدسيين والتي كان آخرها يوم الثلاثاء الأخير.
إضافة إلى هذا فقد بدأوا في لجنة القوانين الوزارية بإعداد قانون يقضي بضرورة موافقة ثمانين عضو كنيست لطرح أي موضوع يتعلق بالقدس على طاولة المفاوضات، وهذا يعني استحالة التفاوض على القدس، فما بالك بالتوصل إلى نتائج، قانون كهذا يسد الطريق على المفاوض الفلسطيني ويحرمه حتى من الادعاء بوجود مفاوضات حول القدس ومصيرها، وإذا كان مجرد قبول التفاوض يحتاج إلى ثمانين عضو كنيست من أصل مائة وعشرين، فهذا يعني أن الموافقة على أي تغيير بالنسبة للقدس كونها عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل يحتاج إلى موافقة كل يهود العالم، إلى جانب هذا، هناك استعدادات داخل الكنيست لعرض اقتراح لتقسيم الأقصى بين اليهود والمسلمين كما هو الوضع القائم في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
وبما أن السلطة الفلسطينية باتت عاجزة تمامًا عن أي فعل، فلم يبق لها سوى الساحة الدولية وانضمامها الى منظمات دولية، ولكن حتى هذه الساحة جرى تجميدها فقد صرحت السيدة حنان عشراوي أن أحد شروط إتمام صفقة إطلاق الأسرى هو امتناع السلطة من الانضمام الى وكالات وهيئات دولية مختلفة، وبمعنى آخر التنازل عن السلاح الأخير الذي ممكن للسلطة الفلسطينية أن تستخدمه، ومن هنا نفهم الفائدة الاستراتيجية لإسرائيل من وراء الصفقة.
في الواقع لا يوجد على الأرض سوى احتلال يتوسع في البناء، يسرق المحاصيل ويحرق أشجار الزيتون ويقتلعها، يعتدي على المزارعين الفلسطينيين ويحول بينهم وبين أراضيهم، وإذا عدنا الآن الى محرري صفقات سابقة، سوف نجد أن كثيرين منهم أعيد اعتقاله أو أنه استشهد، وليس إطلاق سراح هذه الدفعة من الأسرى سوى حق يراد به باطل وهو غطاء لمواصلة تفاوض عبثي تحوّل إلى مهزلة، هذا لا يعني أننا ضد إطلاق سراح الأسرى بل يجب إطلاق سراح الآلاف الذين ما زالوا وراء القضبان، ولكن فقط لوضع هذه الصفقة في مكانها الصحيح، وفي ظروف وأسباب إنجازها في هذا الوقت بالذات.