يستغرب جمهور عريض إصرار حماس عقب كل جولة قتالية تخوضها مع إسرائيل على تهدئة طويلة المدى، تمتد لعقد أو يزيد، بينما تمر أوقات تكون فيها الغلظة سمة الحركة، وتتمنى لو تثخن في العدو قتلا، ولا أدل على ذلك تصريح أحد أكبر قادتها بأن شعار أي حرب مقبلة "نغزوهم ولا يغزوننا".
لست هنا في معرض الإشادة بحماس وإن كنت شديد الإعجاب بفكرها وما تصنع من الرجال، بقدر ما أحاول أن أفكر مثلما تفكر، رغم أنّي حديث الأسنان.
ساعة أن تعلم أن رجالات حماس تربّوا على موائد القرآن، فعليك أن تدرك تمام الإدراك أنهم قرأوه ثم فسّروا آياته ولاحقا استخرجوا منه الدروس المستفادة، على اعتبار أن القرآن يحرص على بناء إنسان يقظ، وجماعة إسلامية تُجيد التكيف السياسي، وتوظف كليهما مستقبلًا لخدمة الإسلام.
هنا، سأورد درسًا من دروس القرآن يرشد إلى أوقات اختيار إعلان الحرب وتغليب العمل العسكري، وأوقات تصعيد العمل السياسي، لنجيب ولو بالقدر اليسير على السؤال (كيف تفكر حماس؟). مع ضرورة الإشارة إلى القارئ المبجّل أن ما سأورده ليس عصارة فكرية خاصة بي.
"مقارنة بين سورة محمد وسورة الفتح توضح ما نرمي إليه، فالأولى مدنية وآياتها 38 وموضوعها: الجهاد في سبيل الله، وقد نزلت في السنة الثالثة من الهجرة، وهي مرحلة من مراحل الدعوة، ومن يقرأها لا يمكن أن يتوقع نزول سورة الفتح بعدها بثلاث سنين، وهي سورة نزلت في السنة السادسة من الهجرة، لتعبر بالجماعة الإسلامية الأولى خلال مرحلة أخرى ذات طبيعة مغايرة، أي طبيعة صلح الحديبية".
في سورة محمد أمر رباني للمسلمين بالقتال وعدم الدعوة إلى السلم أو الهدنة "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب"، والهدف تحطيم العدو. وهي مرحلة جهاد من خلال السلاح والشهداء.
أما سورة الفتح فتعبر عن مرحلة سياسية مغايرة –كما أسلفنا- اشتد فيها عود الجماعة الإسلامية الأولى، وتطلب فيها الهدوء والتخطيط السياسي وأخْذ "استراحة مقاتل"، حتى أن ألفاظ السورة وصورها أهدأ بكثير من سورة محمد، فقد وافق النبي في ذلك العام على صلح الحديبية.
ويقال إن الرسول خرج إلى الحديبية في 1400 رجل، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ! وأحسب أن حماس تعتنق التفكير هذا وترغب في تحقيقه لو نجحت في مرادها (تهدئة طويلة المدى) تريد من خلالها تجهيز قاعدة بشرية مقاتلة تكون وقود التحرير، وهي التي أجادت العمل التحتي، وجميعنا ورد إلى مسامعه شعار حماس خلال أوقات الهدوء القصيرة (صمتنا إعداد)، وجميعنا أيضًا رأى بعضًا من هذا الإعداد، في عرض كتائب القسام الأخير.