قائمة الموقع

مقال: منهاج التربية الوطنية وطني بامتياز

2013-11-18T09:11:53+02:00
مصطفى الصواف
مصطفى الصواف

عاد بي الزمن إلى الوراء خمسة وأربعين عاما يوم أن كنت في المرحلة الإعدادية وتمنيت أن أكون اليوم في هذه المرحلة العمرية والتعليمية حتى أنعم بالمعرفة الحقة عن فلسطين وطني وأرضي وشعبي وقياداتي وعقيدتي وأخلاقي وتاريخي وجغرافيتي وسياستي ومعرفة عدوي وفكره وأخلاقه وجرائمه.

كل هذا حدث وأنا اقلب صفحات الكتب الثلاث للتربية الوطنية التي أخذت طريقها إلى أبنائنا في مدارس قطاع غزة، هذا المنهاج الذي وضع بأيد فلسطينية وعقول وطنية حرة غير مرتبطة باتفاقيات أو اشتراطات متحررا من مراقبة الاحتلال وتدخلاته فيما يتلقاه الطالب الفلسطيني في مدارس فلسطينية وليست تابعة للمحتل.

يوم كنا في هذه المرحلة التعليمية والسنية كان الاحتلال الصهيوني هو الذي يسيطر على كل مفاصل الحياة وكان المنهاج الذي يدرس لنا مصري. كنا عندها ندرس تاريخ مصر وحضارة الفراعنة وجغرافية مصر ونيلها وتضاريسها وكذلك العالم العربي دون الحديث عن فلسطين أرضا وشعبا وثورة ومقاومة وأخلاق وقيم وحضارة.

اليوم الوضع بات مختلفا وأصبح تاريخنا وجغرافيتنا تكتب بأيدي مفكرينا وأساتذتنا ومجاهدينا ومربينا الذين تشربوا فلسطين ورضعوها في حليبهم منذ نعومة أظفارهم ويوم أن وضعتهم أمهاتهم متسلحين بالإيمان والعقيدة والإرادة الحرة والتي أعادت الحياة لتاريخ حاولوا طمسه وشعب فكروا أنه هجر أرضه وعقيدته وحبه لترابه ومدنه وجباله وقادته، وجهاده وأخلاقه.

عندما يتحدث المنهاج الجديد عن الشعب الفلسطيني الذي ولد ونما وترعرع وأبدع، وتجذر عمقه التاريخي، وموروثه الثقافي، وبعده الحضاري والإنساني وامتداد جذوره في هذه الأرض لينسج علاقة عضوية لا انفصام لها بين الأرض والشعب والتاريخ فتشكلت ملامح هويته الخالدة التي استعصت على كل محاولات الطمس والتشويه والتهويد، هو يتحدث عن حقيقة وواقع غاب عن طلابنا على مدى سنوات طويلة حتى يبقى هذا الطالب يعيش بعيدا عن تاريخه وثقافته وهويته هذا يعني أننا نعد جيلا يعرف حقيقته ومكانته وفي نفس الوقت يعرف عدوه ويتعلم كيف يتعامل معه الأمر الذي يقرب المسافات لأنه يزرع في النفوس أن هناك حق مغتصب بحاجة إلى استرداد وهذا الاسترداد يحتاج إلى معرفة حقيقية عن الأرض المغتصبة.

عندما تحتوي كتب التربية الوطنية حديثا عن الثقافة الفلسطينية الأصيلة واعتبارها نابعة من تفاعل الفلسطيني مع أرضة ووطنه وبيئته، ويتطلب الحفاظ على أصالة هذه الثقافة الحفاظ على التراث، وكل ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا منذ القدم، مما له صله بقيم شعبنا الفلسطيني، وأصوله، وامتداده التاريخي والحضاري، هنا يرد المنهج الطالب إلى أصوله الحقيقية من خلال التركيز على أننا شعب له ثقافة وهذه الثقافة تفاعلية نتجت عن تفاعل بين عناصر أساسية ورئيسة مكونة من الإنسان والأرض راسخة وضاربة بجذورها في عمق الأرض.

يستعرض المنهاج تاريخ وحضارة مليئة بالقيم التي تدل على الحيوية والتمسك بالأرض والهوية، كقيم الصمود والثبات، والانتماء للأرض والوطن، والتضامن، والتضحية والجهاد، والإكبار للشهداء والأسرى والجرحى، والاستبشار بالنصر، والإيمان بحق العودة واللاجئين، وحب المقدسات وغيرها من القيم التي مازالت تقبع في ذاكرة كل فلسطيني حر.

كما بثت المناهج قيما مجتمعية أصيلة كالكرم، والشجاعة، والأخوة، والمروءة، والصدق، والوفاء، والصبر، والرحمة، والعدل، وبر الوالدين، وصلة الرحم، واحترام العمل، وطلب العلم وغيرها من القيم التي تشكل جزءاً من هويته الثقافية، والتي تعيد الطالب إلى أصوله العريقة وأخلاقه الكريمة العربية الأصيلة.

مزج المنهاج بطريقة فريدة وعجيبة بين العقيدة والتاريخ والجغرافيا والسياسة في توليفة تجعل الطالب يعيش تاريخه وحضارته مرتبطة بدينه وحقه وطريقة التخلص من عدوه والتأكيد على طريق الجهاد والمقاومة، وان الاستقرار في المنطقة مرهون بتحرير فلسطين، وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

المنهاج كان وطنيا بامتياز فكان تربية وطنية حقة شملت كل ألوان الطيف السياسي وقادته ومقاوميه وبطولاته وعملياته الجهادية والاستشهادية ورموز عمله الوطني عبر تاريخ طويل شمل فلسطين كل فلسطين الممتدة من رأس الناقورة شمالا وحتى أم الرشراش جنوبا ربط فيها المنهاج بين الماضي السحيق من عهد الكنعانيين في تسلسل سلس وسهل ولغة مفهومة دون تعقيد في المصطلح ودون إغفال لأي مرحلة من تاريخ الحركة الوطنية وصولا إلى اللحظة الحاضرة الشاهدة للتاريخ والحضارة مع نظرة مستقبلية تبعث على الأمل وتؤكد على حقيقة أن فلسطين كل فلسطين للشعب الفلسطيني وأن هذا الكيان إلى زوال وان المقاومة طريق التحرير.

اخبار ذات صلة