الرفاق الكبار قرروا مغادرة الكراسي وإفساح المجال لمن يتلونهم سناً وخبرة أملاً في تجديد الدماء وضخ "الأكسجين" في رئتي الجبهة الشعبية فهل يفلحون في تقويم المسار وتصحيح الطريق الطويل الذي حفته الأشواك والخطايا ؟! .
عصا القيادة بحاجة للاستقامة كي تقود الجماهير إلى وجهتها , والقائد لا يصبح قائداً إلا إن كان سابقاً جندياً مخلصاً على خط النار يرفع قبعته فقط لمن يكبروه عملاً في مشوار التحرير.
واحتفلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قبل أيام بذكرى انطلاقتها السادسة والأربعين في مهرجان جماهيري حضره الآلاف وألقى فيه القيادي في الجبهة جميل مجدلاوي كلمة تناولت المفاوضات والمصالحة والمقاومة وقرار كبار قادة الجبهة مغادرة مواقعهم وإفساح المجال للجيل الصاعد ليتولى القيادة.
خطاب الجبهة
المجدلاوي الذي ألقى خطاب الوداع لآلاف الرفاق المحتشدين أسفل منصة الحفل أعلن لهم رؤية الجبهة الشعبية واضحة وصريحة في كثير من المواقف المفصلية على الساحة الفلسطينية خاصة مسألة الانقسام والمفاوضات مع الاحتلال .
ولا يرى المحلل السياسي طلال عوكل أي جديد في خطاب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لأنه تناول نفس القضايا التي أعلنها مؤتمر الجبهة الذي سبق حفل الانطلاقة بأيام وهو التأكيد على رؤيتها للمصالحة والقضية الفلسطينية ككل .
ويضيف: "الجبهة أعلنت أنها ملتزمة بتحرير كل فلسطين وهذا ليس جديدا أما رؤيتها لموضوع حق الفلسطينيين في تقرير المصير فله علاقة بالبرنامج المرحلي وما عدا ذلك خطاب معلن للجبهة سمعناه من قبل".
ويقول المحلل عوكل إن خطاب الجبهة لم يكن متناقضاً سوى في الشعارات الكبيرة والمواقف الاستراتيجية التي لم تفلح فيها الجبهة في الجمع بين ما أعلنته وقدرتها على التطبيق والتنفيذ بما يوازي شعاراتها الاستراتيجية .
أما المحلل السياسي مصطفى الصواف فيؤكد أن الجبهة الشعبية طرحت في مهرجانها الأخير رؤية أقرب لحركة فتح في موضوع المصالحة وإنهاء الانقسام وكأن حماس وحدها من أخطأت وعليها أن تقدم الاعتذار .
ويضيف: "من يقدم مبادرة عليه أن يكون متوازناً بين الأطراف المختلفة ولا ينحاز فقد عادت للحديث عن التمثيل النسبي وتشكيل الحكومة والانتخابات في 6 أشهر ضمن رؤية قريبة جدا من فتح وهذه مسائل تجاوزها الكل في اتفاق القاهرة وبحضور "الشعبية" نفسها على أن يكون التمثيل النسبي 75% والقوائم 25% والعمل في 6 ملفات جملة واحدة مثل إصلاح المنظمة فلماذا يعيدون رؤية فتح ؟!" .
ويرى الصواف أن القيادي المجدلاوي تجاوز كل ما اتفق عليه في القاهرة مشيراً أن الأخير حمل في كلمته رؤية رسمية للجبهة الشعبية بعد التوافق بين كبار الجبهة على إعلان ذلك الموقف .
قيادات الجبهة
القياس والتطبيق بين ما أعلنته الجبهة الشعبية في مهرجانها الأخير ولائحتها الداخلية بخصوص مغادرة كبارها مواقعهم يظهر عدم التزام بالمدة المحددة لديهم فيما يرى آخرون أنه جيد بأي حال عملاً بقول "أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي!" وربما لم يغادر بعضهم موقعه حتى اختفت آخر شعرة سوداء من رأسه ! .
على الجانب التنظيمي يقول المحلل عوكل إن المهرجان الأخير شهد إعلاناً من القيادي المجدلاوي نقل فيه لآلاف الرفاق المحتشدين في ساحة المهرجان قوله إن "كبار الجبهة" مثل الرفيق "ملوح والجرو والمجدلاوي" سيتركون العمل تجسيداً للديمقراطية -على حد قوله .
ويضيف: "كحركة سياسية نظام الجبهة الداخلي منذ سنوات طويلة يقول انه لا يجوز لعضو المكتب السياسي العمل أكثر من دورتين أي أكثر من 10 سنوات وأصغر قيادي موجود في مكتبها السياسي عمره 13 سنة منذ مؤتمرها في سنة 2000 والأسماء التي طرحت في المكتب بعضها عمره 30 و40 سنة" .
ويشير أن حكيم الجبهة جورج حبش كان أول من أراد تطبيق هذا النهج حين حاول مغادرة الجبهة قبل أن ينسحب بخمس سنوات متمنياً أن يلتزم كبار قادة الجبهة بما أعلنوه مضيفاً: "الرفيق ملوح له 40 سنة في المكتب السياسي وجميل مجدولاي 30 سنة".
أما المحلل الصواف فيرى مغادرة كبار الجبهة مواقعهم مبادرة طيبة يفسحون من خلالها المجال للجيل الوسط ليتولى القيادة ليواصلوا العمل في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ضعف الأداء
بندقية الجبهة الشعبية في مقاومة الاحتلال التي غاب صوتها طويلاً بحاجة إلى الذخيرة الحيّة لتصوب نحو العدو الصهيوني من جديد فلا أحد ينكر مشوارها القديم في مقارعة الاحتلال لكن المطلوب الآن عودة محمودة للعمل العسكري بقوة وتواصل كما يرى محبو الجبهة ومراقبو العمل الوطني بشتى توجهاتهم .
ويصف المحلل عوكل دور الجبهة الشعبية في الساحة الوطنية الآن بأنه ضعيف سواء على صعيد المقاومة أو السياسة وأنه بحاجة لرفع معدلات العمل عالياً فهي فصيل بين فتح وحماس لا زال يراوح مكانه من حيث الحجم والتأثير كما تعيش صعقا مالياً.
ويتابع: "الجبهة بحاجة أن يكون فيها تغيير واضح ومراجعة للذات أما مواقفهم التي تكون كثيراً معارضة للجميع فهذا تاريخهم فقد شاركوا وشكلوا قديماً في جبهة الإنقاذ وحملات مشابهة فطريقتهم الهجومية معتادة" .
ويقول المحلل الصواف إن الشعبية أعلنت موقفا وطنيا بدرجة عالية في حديثها عن المفاوضات ورفضها التنازل للاحتلال عندما قال المجدولاي أن المرحلية لا تسقط حق الفلسطيني في كل فلسطين وهو موقف يعيد مرة أخرى الثوابت التي انطلقت من أجلها الجبهة.
ويتفق الصواف مع عوكل في أن الشعبية تعاني ضعفا على مستوى الأداء وأنها تراجعت حيث كانت الفصيل الثاني في منظمة التحرير وفي أوقات سابقة كانت ربما الفصيل الأول وأن هذا التراجع انعكس على حضورها الجماهيري وأدائها العام.
الرفاق العائدون من مهرجان الانطلاقة في غزة تجاذبوا أطراف الحديث عن مستقبل الجبهة وتوقعاتهم لأداء الصاعدين الجدد لهرم القيادة فبعضهم يرى أن العودة للمقاومة المسلحة هو الكفيل بجمع الحشود حول الجبهة مجدداً وآخرون يطالبون بالحفاظ على مواقفها السياسية الرافضة للمفاوضات مع الانتباه قليلاً لأبناء الجبهة الذي يفتقرون لكثير من الامتيازات أسوة ببقية أبناء الفصائل الناشطة على الساحة.