انسدل ستار مساء يوم الثلاثاء الماضي، وغط الجميع بالنوم، إلا أن صوت المنبه لعائلة ياغي دقّ باكرًا، صوته حنون فهو قطرات من الأمطار على زجاج البيت، وسقف الجيران أيضًا، ولكن.. وراء رقّته غدر باغت العائلة.
العجوز الستينية استيقظت على تسلل الماء إلى جسدها وهي نائمة، فقد دخلت الماء وقتئذ من شباك النافذة، وتوقعت أن تكون الشمس أشرقت من مغربها، فأصوات الجميع في حيّها بالشيخ رضوان يعلو، والكل يصرخ ويستغيث.
الجرافات بدأت تحضر للمكان، والكهرباء قاطعة منذ أيام، ولا إنارة إلا أضواء السيارات.
هربت الحاجة هدى إلى بيت شقيقها بالطابق الثاني، وما أن وصلت إلى أرضيته حتى ملأت المياه منزلها التي فرّت منه.
فرق الإنقاذ حضرت إلى المكان، فمراكب الصيد لم تعد تكفيها مساحات البحار، حتى أمست تجدف في شوارع غزة.
رفعت فرقة الإنقاذ سلمًا إلى منزل عائلة ياغي، وحملوا الستينية على الأكتاف وملابسها مبللة، ووضعوها إلى برّ الأمان، حيث لا مكان تأوى إليه.
تكاثف الجيران عطفًا عليها، وأحضروا لها بعض الملابس لترحم جسدها من شدة البرد القارس، واستضافوها يومًا في منزلهم، حتى أعلنت لجنة الطوارئ التابعة للحكومة الفلسطينية عن مراكز لإيواء المنكوبين، فسارعت علّها تجد مكانًا لنومها.
أموال العائلة ذهبت بلا رجعة، وجميع ملابسها وأثاثها أصبح مغمورًا تحت الماء، وترفع أكفها للسماء قائلة " رحماك يا رب.. لقد تآمروا علينا وحاصرونا، فخذ لنا حقنا منهم".
عائلة ياغي ليست وحدها في مواجهة هذه النكبة الجديدة، فعائلات كثيرة تشابه قصة الحاجة هدى، وتنتظر فرج الله ليخفف عنها شدة المنخفض الذي ضرب القطاع منذ يوم الثلاثاء الماضي.