عادة في الأزمات الشخصية والفردية تظهر معادن الرجال وقدرتهم على المواجهة والتحدي وتحمل المسؤولية، وعلى مستوى الحكومات أيضاً الأزمات تكشف مدى أحقية الحكومة في قيادة الشعب من عدمها، وقدرتها على تحمل الأعباء ومواجهة التحديات.
وللتاريخ، نسجل شهادتنا في أن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة برئاسة إسماعيل هنية أثبتت أنها حكومة وطنية مسؤولة، منتمية للقيم والمبادئ والوطن ولهموم شعبها، وقادرة على مواجهة التحديات ومعالجة الطوارئ وإدارة البلاد وتقليل حجم الخسائر ومتابعة الملمات ومعالجتها بأسرع وقت وبأقل الإمكانات. فرغم الحصار والتضييق والعدوان المتكرر، إلا أن الحكومة بأفرادها ومؤسساتها وقيادتها وكوادرها كانت عند حسن ظننا بها، فأجادت إدارة الأزمة وتابعت التطورات بدقة، وأظهرت جهوزيتها في الاستنفار وتقديم يد العون، وكنا نلحظ ارتباك دول وأجهزة مرتاحة في التعامل مع مثل هذه الحالة، إلا أننا شاهدنا إدارة واعية وسرعة وحضورا وقدرة على معالجة المواقف وحسن تدبير وحسا عاليا واستجابة إيجابية بناءة. كما أن الفصائل العسكرية قامت بدورها خير قيام. وظهرت كتائب القسام وأخواتها في سرايا القدس ولجان المقاومة الشعبية بدور إنساني راقٍ، فهذا الملثم الذي تعوّد على حمل السلاح وتربيض الصاروخ وحفر الأنفاق والتخفي والتمويه لاستهداف الآليات العسكرية، وجدناه يحمل طفلاً ويحنو على عجوز، ويساعد امرأةً، ويستخدم الآليات في نقل المنكوبين ويطمئنهم ويهدئ من روعهم، في مشهد يدل دلالةً واضحةً على الفهم العميق لمعنى الأمن القومي لفصائل المقاومة. دور الإعلام لم يقل أهميةً عن غيره، فهذه العدسات التي انتشرت لتنقل المعاناة وتفضح المتخاذلين وتظهر الصادقين مع شعبهم أدت دوراً هاماً في استنفار الحس الوطني الحقيقي، والصورة لا تكذب ولا تجامل، فمن كان في الميدان مع آلام وهموم شعبه ونكبتهم ظهر وبان، ومن تقاعس واكتفى بالبيانات كُشف أمره واختفى عن المشهد. اليوم لم نعد نخجل من شكر من يساعدنا ويقف موقفاً أصيلاً معنا في أوقات المحن والابتلاء، وواجبنا كشعب وحكومة وفصائل وكأفراد وجماعات؛ أن نوجّه الشكر للأشقاء في قطر على حسّهم العالي بقضيتنا وأزماتنا ومبادرتهم الطيبة، ففي حين تخاذل وَسَوّف وتقاعس الرئيس محمود عباس وسلطته في رام الله عن مد أي عون لغزة المنكوبة إنسانياً، بل منعوا عنها الوقود وشاركوا في حصارها طمعاً بدراهم معدودة دون خجل أو وجل من أنات غزة وجراحاتها، سارع الإخوة في قطر مشكورين بدور إيجابي حقيقي ومشاعر إنسانية ووطنية وعربية تُرجمت لأفعال بمد يد المساعدة الفعلية والحقيقية. وآخر هذه الملاحظات علينا أن نفكر في المستقبل، الأزمة الجوية كشفت اهتراء البنية التحتية لقطاع غزة في كثير من المناطق، ونبهتنا لمدى حاجتنا لإعادة ترتيب الأولويات، وطرحُنا من جديد لجدلية مفهوم المقاومة، فالبنية التحتية وتقويتها وتنظيمها وبناء الشوارع والبيوت والارتقاء بالخدمات هي نوع من أنواع المقاومة ولا تقل أهميةً على التسلح وإعداد الجند واستيراد وتصنيع الصواريخ، وعلينا أن نطلق حملات كبرى لترميم الشوارع، وترتيب أحواض المياه والصرف الصحي، وكيفية الاستفادة من الأمطار مهما كثرت ولتكن لدينا خطة خمسية عنوانها "البناء مقاومة".