قائمة الموقع

مقال: أوهام وأكاذيب واستغفال واستغلال أسطورة قبر يوسف

2010-03-04T11:20:00+02:00

د. عصام سيسالم (المؤرخ والكاتب المغفور له بإذن الله تعالى)

لقد أعدت الحركة الصهيونية العنصرية مخططها الاستعماري الاستيطاني للعدوان على وطننا واغتصاب أرضنا وتدنيس مقدساتنا وإزالة وجودنا والتطاول على آثارنا، وتزييف التاريخ، بادعاءات باطلة لا سند لها، ولا دليل سوى أساطير توراتية تعشش في عقول متخلفة، تحاول جاهدة أن تثبت دون جدوى وجود أثر واحد لهم في فلسطين، وبالرغم من كل ما بذلته بعثات الاكتشاف والتنقيب الأوروبية والصهيونية المريبة منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى اليوم من جهود، فان كل ما توصلت إليه ادعاءات لا تستند إلى أي دليل أو نص تاريخي موثق، وقد أثبت بطلان ما يدعون به عدد كبير من الباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار المنصفين، ومن بينهم الباحثة الأمريكية (كينون) والجيل الجديد من المؤرخين اليهود في الحقبة الحالية (ما بعد الصهيونية).

ومن الأكاذيب التي شاعت ولم تجد من يتصدى لها أسطورة قبر يوسف ولكون جميع الأنبياء والمرسلين من المسلمين، كما أكد القران الكريم فنحن أحق بهم وبتكريمهم والمحافظة على أي أثر ينسب لهم سواء كان ذلك صحيحا، أو مجرد ادعاء لا أساس له؛ لأنهم يمثلون أصدق تمثيل تراثنا وعقيدتنا وما نعتز به من قيم ومثل عليا.

ومن بين الآثار الفلسطينية التي حافظ عليها أسلافنا وأضفوا عليها هالة من القداسة والتكريم، بالرغم من عدم وجود سند تاريخي لها، الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المجاهدة الصابرة، وهو من مساجدنا التي لها مكانة كبرى في وطننا، والذي يضم عددا من القبور ومن بينها قبر إبراهيم الخليل _عليه الصلاة والسلام_ وزوجته سارة وقبر يعقوب وابنه يوسف الصديق _عليهما الصلاة والسلام_ وغيرهم.

أما بالنسبة لأبي الأنبياء إبراهيم الخليل _عليه الصلاة والسلام_ فقد كان حنيفا مسلما، وكذلك أعقابه من بعده، ويؤكد ذلك قوله تعالى: ""يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"" (آل عمران: 65_ 67).

وظل الأحناف في جزية العرب التي ارتبط إبراهيم الخليل بعشائرها وقبائلها حتى عهد حفيده من ابنه إسماعيل الرسول الأعظم محمد بن عبد الله _صلوات الله وسلامه عليه_ كما يؤكد القران الكريم بأن يوسف الصديق عاش في مصر ووصل إلى مكانة رفيعة فيها:

""وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ"" (يوسف: 21).  

وأنه دفن في مصر كما يؤكد الحديث الذي رواه أحمد في مسنده: "ما من نبي يموت، إلا ويدفن حيث يقبض". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتروي التوراة المحرفة التي كتبها (عزرا) و (نحميا) في القرن الخامس قبل الميلاد، بأن الذي اشتراه هو (فوطيار) وأن يوسف تزوج (أسنات ابنة فوطي فارع) كاهن معبد آمون، وكان من بين بناته (طاي)، وأنه عاش مائة وعشر سنوات، وحنط ووضع في تابوت من رخام، ودفن في قاع النيل، ونضيف إلى هذه المزاعم التي لا تستند إلى أي سند تاريخي أو منطق عقلي، بأن موسى _عليه الصلاة والسلام_ استخرج تابوته من أعماق النيل وحمله معه، وأن (يوشع بن نون) دفنه في (مغارة المكفيلة) في حبري (الخليل)، بجانب قبر إبراهيم ويعقوب وهو ادعاء باطل كيفية الادعاءات الصهيونية، كما يقول المؤرخ (سوسه) في كتابه الرائع (العرب واليهود) في النص التالي: "إن الشريعة التي نزلت على موسى _عليه الصلاة والسلام_ والتي حرفتها الأحبار هي صهيونية اليوم بعينها لكونها تهدف كما تهدف الحركة الصهيونية الحالية إلى استغلال عاطفة الدين وفق نصوص صيغت في السبي البابلي من أجل خلق دوافع تحث الأسرى إلى العودة ثانية إلى الأرض التي اغتصبوها، وعاثوا فيها تخريبا لاغتصابها من جديد بالاستناد إلى ادعاءات باطلة وأساطير وتطاول وعدوان لخلق تاريخ وهمي لهم من العدم".

ومن بين الادعاءات الباطلة قبر يوسف على مشارف مدينة نابلس المجاهدة، فبالرغم من الزعم بوجود قبر ليوسف في الحرم الإبراهيمي كما ذكرنا ووجود عدد من القبور لأولياء من المسلمين ممن يدعون بيوسف في عدة قرى ومدن فلسطينية، فقد وجدت الحركة الصهيونية في التماثل في التسمية فرصة مواتية للادعاء بأن قبر الشيخ المسلم (يوسف دويكات) هو قبر يوسف الصديق، لاتخاذ هذا الموقع الاستراتيجي على مشارف نابلس ثكنة عسكرية للتهديد والعدوان ومدرسة دينية للتضليل والتزييف بالرغم من كونه أثرا إسلاميا مسجلا لدى دائرة الأوقاف الإسلامية، وأن المدفون في هذا القبر هو أحد الصلحاء المسلمين، ويؤكد عدد كبير من كبار الباحثين والمؤرخين ومن بينهم العالم المصري أحمد عثمان في كتابه (غريب في وادي الملوك) ص87، بطلان الادعاءات الصهيونية، وأن يوسف كان وزيرا ل (أمنحوتب الثالث) فرعون مصر (1405_ 1367 ق.م) وصهرا له فقد تزوج (طاي ابنة يوسف) من زوجته (أسنات ابنة فوطي فارع) كاهن آمون ولهذا كان من بين ألقاب يوسف (إيت نترن نب طاوي) أي عم سيد الأرضيين وشاع الجزء الأول من اسمه ووجد بالهيروغليفية في مقبرته مع عدة صور منها (يويا، ويويو، ويويايا) على سبيل التحبب وتوجد مومياء (يويا) في المتحف المصري، وما زالت حتى اليوم تحتفظ بطابعها الآرامي وتختلف عن بقية المومياءات في ملامحها.

ويؤكد هذه الرواية (جاستون ماسبيرو) مدير المتحف المصري في نهاية القرن التاسع عشر كما روى المؤرخ المصري (مانبيتون) الذي كتاب تاريخ الأسرات القديمة لبطليموس الأول بأن أحد وزراء (أمنحوتب الثالث) يدعى (سف)، ولهذا يذكر المؤرخ أحمد عثمان بأن (يوسف) من مقطعين (يو) الآرامي، و (سف) المصري، وقد اتفق كل من الباحث أحمد عثمان والمؤرخ عبد المنعم عبد الحليم في أن المومياء المودعة حاليا في المتحف المصري هي ليوسف الصديق، وان اختلفنا في التفاصيل، وهكذا يتضح لنا مدى بطلان الادعاءات الصهيونية، والى أي حد وصلوا في التزوير وترويج الأكاذيب والأساطير لإنشاء كيان عدواني لن يكتب له البقاء، سيكون لشعبنا الفلسطيني الأبي وطنه الحر وعاصمته القدس زهرة المدائن، وعاصمة العواصم، ومهما ادلهم الليل سيشرق الفجر من جديد.

 

المراجع:

1_ الشرق الأدنى القديم: د. عبد العزيز صالح.

2_ تراث فلسطين في كتابات عبد الله مخلص: د. كامل جميل العسلي.

3_ الأولياء والمزارات الإسلامية في فلسطين: د. توفيق كنعان.

4_ قراءة سياسية للتوراة: شفيق مقار.

5_ الحقيقة والمجاز: عبد الغني النابلسي.

6_ تاريخ نابلس والبلقاء: إحسان النمر.

7_ مجلة أخبار الأدب المصرية: العدد المؤرخ في 19 أكتوبر 1997م، والعدد المؤرخ في 9 نوفمبر 1997م.

8_ قراءات في التوراة: محمد وحيد خياطة.

 

 

اخبار ذات صلة