كشف المنخفض الجوي الذي تعرضت له فلسطين في الأسبوع الماضي حقائق كثيرة، بعضها مشرف ويدعو للأمل ويؤكد على أصالة شعبنا الفلسطيني، وفي نفس الوقت كشف عن قصور كبير لدى عدد من المؤسسات وقفت موقف المتفرج وهي مؤسسات وازنة عندما ننظر إلى ما تعلنه عن ميزانيات سنوية وتحدد حجم الأرباح والتي تقدر بملايين الدولارات، وعندما تحركت تحركت وهي تحمل دراهم معدودة قامت بتوزيعها بشكل عشوائي وغير منظم ودون العودة إلى الجهات التي تملك المعلومة ولديها قوائم المتضررين ونوعية احتياجاتهم.
لقد لوحظ تقصير كبير من وكالة الغوث التي من المفترض أن تهتم بما نسبته 70% من سكان قطاع غزة مسجلين في قوائم اللاجئين، هذه الوكالة لست معنيا الآن الحديث عنها وعن تقصيرها وما هي واجباتها، لأنني على يقين أن ما بات يحرك الوكالة اليوم هو رياح سياسية مخابراتية أمنية أكثر من كونها تعمل وفق النظام التي قات عليه وهو الغوث وتشغيل اللاجئين ورعايتهم والاهتمام بهم حتى يعودوا إلى ديارهم التي هجروا منها، لذلك الحديث عن الوكالة ودورها يحتاج إلى مناقشات واسعة وتبيان عوار سياسة الوكالة الراهنة وكيف تحولت إلى شيء مختلف عما كانت عليه.
ولكن الأهم هو المؤسسات "الوطنية" التي تجبي الأرباح من المواطنين والتي للمجتمع حقوق عليها في الظروف العادية فكيف عندما يتعرض هذا المجتمع لكارثة إنسانية تسببت بمأساة فتكون مسؤوليتها أكبر وجاهزيتها للعمل والتعاون أسرع لا يقتصر فقط على الوقوف متفرجة وعندما تحركت من اجل الدعاية والتصوير وليس من أجل الإغاثة الحقيقية رغم ما قدمته وهو قليل جدا بالنسبة لما هو مأمول منها خاصة أن هذه المؤسسات وهي تمثل قطاعات مهمة لم تتعرض للضرر وهي تمثل قطاع البنوك والاتصالات وبعض الشركات المختلفة، صحيح أنهم لم يكونوا جميعا على نفس المستوى ولكن ما قاموا به ليس بالقدر الذي كان مطلوبا ولا بالسرعة التي يجب أن يتحركوا بها.
المواطن العادي والذي حمل روحا عالية وقدم كما يقول المثل من اللحم الحي رغم الظروف المالية والاقتصادية التي يعيشها ونزع عن نفسه غطاء ليغطي به طفلا أو أم أو أسر غرقت بيوتهم وتاهت معالمها وخرجوا فقط بملابسهم ناجين بأرواحهم، هؤلاء المواطنون تحركوا بمسؤولية عالية ولم ينتظروا أن يتصل بهم احد وكانوا يقفون إلى جانب المنقذين والمغيثين ساعات طويلة خاطروا فيها بأرواحهم، أما تلك المؤسسات فلم تشعر بألم الغارقين ولا بحاجتهم وللأسف بعضهم أغلق وسائل الاتصال به هروبا من تحمل المسؤولية، وبقي يعيش في تدفئته المركزية ويتناول أشهى الأطعمة ويتفرج على أفلام الكرتون ويتسلى بأشهى المكسرات.
نحن نتمنى للجميع الخير ولا نتمنى أن يمر احد بما مرت به الأسر المنكوبة، ونتمنى السلامة للجميع، ولكن نوجه تذكيرا للجميع أن هناك الآلاف من الأسر بحاجة إلى التحرك الحقيقي من أجل إعادة الحياة لها وان الفرصة لازالت قائمة وان هذه المؤسسات التي قصرت عليها أن تتحرك بما يمليه عليها ضميرها الإنساني وواجبها الوطني وإلا سيذكرها المواطن في مواطن التقصير والسوء وهذا ما لا نتمناه.