كلما أخفقوا واستنفذوا كامل المدة المعلنة من قبل للتسوية خاصتهم عزفوا لحناً آخر من ذات النوتة "السّامة" ! فلا هم أحرزوا تقدماً إيجابياً ولا صارحوا الجمهور المحتشد تحت منصة الوعود الوطنية.
لو كان العلم قد أفلح في اختراع "إكسير الحياة" لكانت (إسرائيل) أول من حقنت "التسوية" بذلك السائل السحري ليطول بها الأمد، فورطة السلطة مع بني إسرائيل الذين ليس لهم عهد على مدى التاريخ.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة برئيس خارجيتها "جون كيري" الذي أصبح ضيفاً دائماً في المنطقة قد أعلنت أنها ترتب لعقد ما أسمته "اتفاق إطار" بين السلطة و(إسرائيل) في يناير المقبل لدفع التسوية والتقدم في ملف الدولة الفلسطينية.
بعد الهدفين المسجلين في اتفاق "جنيف1" و"جنيف2" لا يريد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" أن يغادر دون إنجاز شيء في القضية الفلسطينية عبر اتفاق دائماً يأتي على المصلحة الفلسطينية لصالح (إسرائيل) خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية رتبت أوراقها لحد كبير في الشرق الأوسط
إطالة الأمد
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بين خيارين إما أن يقبل أو أن يقبل! فلا فرصة أمامه للمناورة بعد أن لوحت أمريكا وأوروبا أمامه بالهراوة عدة مرات وهددوا بقطع المساعدات والرواتب التي تتقاضاها السلطة.
لم يستجب عباس لطرح هنية الأخير ودعوته تشكيل حكومة وحدة قبل الشروع في الانتخابات وبقية التفاصيل كما أن نهجه الرافض للمقاومة العسكرية يدفعه دفعاً للقبول بما تخطط له أمريكا و(إسرائيل).
ويرى المحلل السياسي طلال عوكل أن ما يسمى باتفاق "الإطار" هو محاولة أمريكية لتمديد المفاوضات بالدرجة الأساسية ووضع إطار عام للمفاوضات حول التفاصيل ضمن خطة أمريكية-(إسرائيلية) تفرض على الفلسطينيين.
ويؤكد المحلل عوكل أن الولايات المتحدة تريد من الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة وتنفيذ الخطة الأمنية (الإسرائيلية) المنسجمة مع رؤية "كيري" الأمنية للضفة خاصة منطقة "الأغوار" قبل الشروع في مناقشة وتفاوض على حدود 1967.
ويضيف: "هو شكل من أشكال المرحلية التي تسبق الحديث في تفاصيل الاتفاق فنحن أمام رؤية أمريكية منحازة لـ(إسرائيل) ولا تلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية الجوهرية".
"رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بين خيارين إما أن يقبل أو أن يقبل! فلا فرصة أمامه للمناورة بعد أن لوحت أمريكا وأوروبا أمامه بالهراوة عدة مرات
"
أما الباحث في الشؤون (الإسرائيلية) محمد مصلح فيقول إن الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أحرزت تقدماً في الملف الإيراني تتجه الآن للقضية الفلسطينية بعد أن أعادت رسم سياستها في الشرق الأوسط.
ويؤكد أن أمريكا ستضغط للخروج من تداعيات "الفعل وردة الفعل" بعد إخفاق سياستها السابقة في المنطقة لتحاول السيطرة مجدداً لأنها تدرك أهمية القضية الفلسطينية وأن تواصل أزمتها سيؤجج الصراع.
أما الباحث في الشؤون (الإسرائيلية) محمد مصلح فيرى أن اتفاق "الإطار" ليس إلا تسكين للوضع القائم وضمان لاستمرار تفوق (إسرائيل) 10 سنوات قادمة دون الحديث عن قضايا الحل الجوهرية والمصيرية والاكتفاء بطرح حل الدولة المؤقتة.
ويشير أن السلطة وقعت تحت ضغط كبير للقبول بالوضع القائم لإنقاذ حياتها مضيفاً: "كانوا قديماً يقولوا السلام والأمن لكن المسألة أصبحت الآن الأمن والأمن وحده ! فالقبول هو إنقاذ جماعة أوسلو من الإعدام السياسي".
ويتابع: "عباس الآن أمام حلول سيواجه بها الشعب مثل فتح المعابر بوجود طرف ثالث والإفراج عن أسرى قدامى وإنعاش اقتصاد السلطة ضمن خطة تحفظ الأمن (الإسرائيلي) حيث سيستمر التنسيق الأمني وسيقبلون بواقع الاستيطان".
اتفاق أمني
"كيري" لا يملك العصا السحرية في المنطقة رغم نجاح أمريكا في اتفاق "جنيف1 وجنيف2" فالشهوة (الإسرائيلية) في التهام الأرض والتنكر لحقوق الفلسطينيين التاريخية لن تنتهي مطلقاً.
وكان الطرح الجديد قد حاز على معارضة معظم الفصائل فها هو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف يقول إن "اتفاق كيري ينتج دولة فلسطينية ممسوخة وناقصة السيادة وغير متواصلة".
"الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أحرزت تقدماً في الملف الإيراني تتجه الآن للقضية الفلسطينية بعد أن أعادت رسم سياستها في الشرق الأوسط
"
أما حماس فأكدت على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري رفضها للمسألة برمتها حين قال "مجدداً نرفض استمرار المفاوضات التي تجريها السلطة في رام الله مع الاحتلال الصهيوني، لاسيما فيما يتعلق بثوابت الشعب الفلسطيني والتفويض العربي لا يمكن أن يوفر أي شرعية لهذه المفاوضات.
ويقول المحلل عوكل إن ما يسمى بالأفكار الأمنية الأمريكية لـ"جون كيري" تعيد صياغة دور الاحتلال (الإسرائيلي) العسكري والأمني حيث ستبقى (إسرائيل) 4 سنوات في منطقة "الأغوار" قابلة للتجديد وستواصل (إسرائيل) المطاردة الساخنة -حسب تعبيرها- لكل من يخالفها في الضفة.
أما الباحث مصلح فيؤكد أن خطة "كيري" الأمنية تركز على الأغوار ببقاء (إسرائيل) فيها 4 سنوات ووجود تنسيق أمني برعاية أمريكية يشبه بدايات عمل السلطة بعيد أوسلو حيث يربط وجود (إسرائيل) هناك باستقرار الأمن.
ويضيف: "من الممكن أن يستمر وجود (إسرائيل) 10 سنوات قادمة على الجانب الشرقي وحدود الأردن في منطقة منزوعة السلاح من جهة السلطة ومراقبة جوية أمريكية لكامل الضفة".
الضغوط المالية وغزة
لا تملك السلطة إلا القبول باتفاق "الإطار"! لان أوروبا وأمريكا يلوحون أمام عينيها بالهراوة ويهددون بقطع المساعدات والرواتب وهو ما لا تطيقه رئاسة السلطة أمام جيش من المستنكفين في غزة وآلاف الموظفين في الضفة.
ويرجح المحلل عوكل أن يتم التوصل لاتفاق "الإطار" وعنوانه الأساسي تمديد المفاوضات ورغم أن عباس يقول إن المفاوضات تنتهي في 29 نيسان دون تمديد إلا أن ضغوط أمريكا وأوروبا والعرب ستجبره على القبول بأي شيء ولن يعود "كيري" خالي اليدين.
أما الباحث مصلح فيؤكد أن أوروبا وأمريكا تمارسان سياسة "الخنق المالي" لدفع السلطة بمساعدة عربية أن تقبل ولو بالدرك الأسفل من التفكير في ملف التسوية -على حد قوله.
"قال كيري إن لغزة ما تنتهي به ! لذا هم يخططوا لغزة, و(إسرائيل) نيتها سيئة نحو غزة حتى ما تقدمه مما يسمى بوادر حسن نية في الضفة هو أمور تافهة
"
ويضيف: "نجحوا في دفع السلطة للهاوية وهو يهددونها بالمال مدركين أزمة السلطة المالية جعلتها عاجزة عن الهروب من استحقاقات أوسلو، فعلى السلطة حكم بالإعدام وهي مهددة بالانهيار".
غزة على صغرها الجغرافي ومعضلتها الأمنية بالنسبة لـ(إسرائيل) أصبحت خارج الخريطة فجميع الأطراف ترحل الحديث بشأنها لما بعد ! وهو ما يرجح أنهم "أمريكا و(إسرائيل) وحلفاؤهم" يرتبون ضدها مكيدة وعدوانا.
ويرى المحلل عوكل أن الحديث في إطار مباحثات التسوية المقبلة يركز على الضفة الغربية ويستثني غزة، مضيفاً: "قال كيري إن لغزة ما تنتهي به ! لذا هم يخططوا لغزة, و(إسرائيل) نيتها سيئة نحو غزة حتى ما تقدمه مما يسمى بوادر حسن نية في الضفة هو أمور تافهة".
أما الباحث مصلح فيقول إن بعض الدول العربية طرحت القبول بدفع التسوية لتشمل كامل التراب الفلسطيني بما فيها غزة لكن الاتفاق حتى الآن يستثني غزة كلياً، وقد أحجم عباس عن إصدار موقف عقب دعوة هنية له بالتصالح وتشكيل حكومة الوحدة.