في 1-1 - 2009 وأثناء العدوان الكبير على غزة "حرب الفرقان"، استشهد د. نزار ريان رحمه الله، مع أبنائه وأولاده وزوجاته. كان الخبر أليما وقاسيا ومفجعا ومحزنا، فهذا الشيخ منذ انطلاق انتفاضة الاقصى وهو أهم الوجوه البارزة فيها، وأقربها إلى الحالة الفلسطينية الثائرة. فالدكتور نزار من أوائل القادة الذين ودعوا أبناءهم للشهادة بعدما جهز فلذة كبده إبراهيم بنفسه، قبل انطلاقه في عملية بطولية قتل فيها العديد من الصهاينة، وأخذ يرقب النتائج، ويستمع إلى اللاسلكي ويتابع التفاصيل لحظة بلحظة. وهو المحرض الأول للصمود في وجه الاجتياحات المحدودة قولا وعملا، فما أن يقترب جيش الاحتلال من الحدود حتى يتجهز كجندي محارب، فينزع عمامة العلم ويرتدي جعبته العسكرية ويمتشق السلاح ويقف في الرباط، لا يمنعه مستواه القيادي أو العلمي من الانخراط في المعركة والاختلاط بالمجاهدين والعمل معهم وارتداء زيهم، بالإضافة لدوره التحريضي عبر الاعلام، فنذكر جميعا صوته عبر إذاعة الاقصى في ليالي المواجهة والتصدي، فينزل حديثه بردا وسلاما على المجاهدين والمواطنين في غزة. كان رحمه الله عنوانا للتحدي في "أيام الغضب" وقال كلمته التي ترددت في أنحاء جباليا، لن يدخلوا مخيمنا يعني انهم لن يدخلوا مخيمنا. التقيت الدكتور نزار ريان وجها لوجه مرة واحدة كانت في بيت الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، أخذت أرقبه وأتامله، طويل القامة وجهه أبيض يشع نورا، ذو لحية سوداء قليلة الشيب، له هيبة رغم بساطة حديثه ومسلكه. قال يومها للحضور بحماس شديد: منذ يوم استشهاد عبد الله عزام لم يتقدم أي من العلماء الشرعيين للعمل في ميدان الجهاد بشكل مباشر ولم يستشهد أحد من طلبة العلم الشرعي البارزين، أتمنى الاستشهاد كعبد الله عزام في ساحات المعارك، فنال ما تمنى. بعدها رأيته في جنازة الزعيم "هاني ابو سخيلة" يحرض على القتال بصوته المعروف، ومن لحظتها لا يترك مواجهة إلا ويتقدم بسلاحه وبدنه حتى استشهد رحمه الله. استشهد د. نزار ريان بطريقة استثنائية كما كان هو رجلا استثنائيا، فقد رحل مع أهله جميعا حينما قصف بيته وهو يجمعهم ويصبرهم ويقرأ القرآن. فرغم التهديد المسبق بالقصف والاستهداف والاتصال المتكرر ليغادر البيت، إلا أنه رفض أن يغادر بيته، وقال لمن نصحوه؛ كنت أطالب الناس بالبقاء في بيوتهم فكيف تريدون مني ان أترك بيتي؟! "كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون". د. نزار ريان هو أحد المؤسسين البارزين للعمل الدعوي والتربوي والجهادي في قطاع غزة، وهو مدرسة حية تنبض في الأجيال، فرغم رحيله الكبير إلا أنه أعطى مثالا واضحا لمن خلفه من طلبة العلم، كيف يجمع الإنسان بين العلم والجهاد، وكيف يبدع العالم في ميادين القتال والشهادة كما يبدع في الوقت نفسه بمحاريب الفكر والكتب، وكان كما أراد امتداد أصيل لمدرسة الشهيد عبد الله عزام.
مقال: وقفات مع الشهيد نزار ريان
بقلم/ إبراهيم المدهون