(الثعلب، العبقري، الرجل ذو الألف وجه، الأستاذ، المهندس) لم تكن هذه الصفات من وصف عاشقيه ومحبيه بل أطلقها عليه العدو نفسه؛ فهم كانوا معجبين إعجابًا شديدًا بعدوهم الأول كما كانوا يصفوه، والمطلوب رقم 1 لديهم.
كانوا معجبين بالعقل الفذ والرجل العبقري، وذلك الطيف الذى كان عصيًا على الرؤية، حتى قال عنه أحد قادتهم: (إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرًا للاعتراف بإعجابي وتقديري لهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى روح مبادرة عالية وقدرة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع)، نعم عن صانع النور عن الفتى العاشق عن عياش نتحدث وهل يوجد مثله يحمل كل تلك الصفات؟!
يحيي عبد اللطيف عياش، ولد في 6 مايو عام 1966، بقرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس بالضفة المحتلة، ودرس في قريته حتى أنهى الثانوية العامة بتفوق والتحق بجامعة بيرزيت، وتخرج من كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية في عام 1988، تزوج إحدى قريباته وأنجب منها ولدين هم البراء ويحيى.
نشط في صفوف كتائب عز الدين القسام منذ مطلع عام 1992، وتركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية.
وعقب مذبحة المسجد الإبراهيمي في فبراير 1994 طور أسلوبًا بالهجمات سمى "العمليات الاستشهادية"، واعتبر مسؤولا وقتها عن سلسلة من هذا النوع من الهجمات، مما جعله على رأس المطلوبين للصهاينة، بل كان يحيى هو العدو والمطلوب الأول، وسخر الصهاينة لاغتياله مئات من العملاء والمخبرين إلى أن استطاعوا اغتياله في الـ 5 من يناير 1996 بزرع عبوة ناسفة في هاتف محمول كان يستخدمه، وقد نفذت كتائب القسام سلسلة من الهجمات ثأرًا ليحيى أدت إلى مصرع نحو 70 صهيونيًا وجرح مئات آخرين.
ابن الكتائب
ترجع بدايات المهندس مع العمل العسكري إلى أيام الانتفاضة الأولى وعلى وجه التحديد عامي 1990-1991م، إذ توصل إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية؛ فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات أفعال، وبدأت إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش والاحتلال وأجهزته الأمنية والعسكرية.
إذ قدر الله سبحانه وتعالى أن يكتشف العدو السيارة المفخخة في رامات إفعال بطريق الصدفة، وبعد تحقيق شديد وقاس مع المجاهدين الذين اعتقلا إثر العثور على السيارة المفخخة طبعت الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى.
يعتبر يوم الأحد 25 نيسان أبريل 1993م بداية المطاردة الرسمية ليحيى عياش؛ ففي ذلك التاريخ غادر المهندس منزله ملتحقا برفاق الجهاد والمقاومة.
وفي مساء ذلك اليوم داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس، وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان المهندس يحتفظ بها توجه أحدهم إلى والده مهددًا "يجب على يحيى أن يسلم نفسه وإلا فإنه سيموت وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم".
وتواصلت المداهمات والاستفزازات من قبل جيش الاحتلال وأجهزته بهدف إشاعة جو الخوف والرعب بين العائلة القروية اعتقادًا؛ بأن ذلك يؤثر في معنوياتهم ويثني المهندس عن مسيرته المباركة. إلا أن المهندس واصل طباعة عناوين المجد والحرية وأعاد للحياة الفلسطينية طعمها.
وخلال ثلاث سنوات كان الشهد لفلسطين والعلقم لبني صهيون، وخاب ظن سلطات الاحتلال وأجهزتها القمعية التي حصدت الفشل في مخططاتها وتخبطت في رحلة البحث عن المهندس، بينما وقفت أم يحيى في فخر واعتزاز تواجه محققي الشاباك وجنود الاحتلال حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية والتي رافقت قوات الجيش التي داهمت منزل العائلة بعد عملية البطل صالح صوي في تل أبيب عن أم المهندس "لقد تركنا جميعًا دون أن نشبع منه ومنذ أن أصبح يحيى مطلوبًا فإنه لم يعد ابنًا لي إنه ابن كتائب عز الدين القسام".
الاغتيال
اغتيل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بتاريخ 5 يناير عام 1996باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه الشهيد يحيى عيّاش أحيانًا، وكان ذلك عن طريق كمال حماد وهو خال لصديق يحيى، والشاهد على قصة الاغتيال أسامة حماد حيث عرض كمال على أسامة إعطاءه جهاز بيلفون وقبل أسامة، وكان والد يحيى قد تعود أن يتصل به على هذا الهاتف وفي صباح يوم الجمعة الخامس من يناير 1996م اتصل كمال حماد بأسامة وطلب منه فتح الهاتف المتنقل؛ لأنه يريد الاتصال من "إسرائيل"، واتضح أن خط هاتف البيت مقطوع، وفي الساعة التاسعة صباحًا اتصل والد يحيى على الهاتف المتنقل وقد أبلغ أسامة أنه لم يستطع الاتصال على الهاتف المنزلي، وما إن طلب يحيى من أبيه عدم الاتصال على هذا الهاتف حتى دوى انفجار هائل، وارتقى المهندس وتناثر جسده الطاهر، رحل الفتى العاشق وبكته فلسطين كل فلسطين، وخرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحده.
وقد نفذ مجاهدو الكتائب سلسلة هجمات استشهادية ثأرًا لاستشهاده أدت إلى مصرع نحو 70 صهيونيًا وجرح مئات آخرين، رحل الفارس جسدًا وبقت روحه تحلق في سماء فلسطين تترقب تحرير كل شبر فيها، وسيبقى يحيى حيًا فينا ما حيينا؛ فلا يذكر اسم الضفة الآن إلا مقترنًا باسم عياش فما زال تلاميذه على النهج باقون ينفذون ما يستطيعون من عمليات ضد المحتل رغم التنسيق الأمني بين السلطة والمحتل ورغم الاعتقالات والتعذيب.
من أقوال المهندس
- "على الكريم أن يختار الميتة التي يجب أن يلقى الله بها؛ فنهاية الإنسان لا بُدَّ أن تأتي ما دام قدر الله قد نفذ".
- "مستحيل أن أغادر فلسطين، فقد نذرت نفسي لله ثم لهذا الدين، إما نصر أو استشهاد، إن الحرب ضد الكيان الصهيوني يجب أن تستمر إلى أن يخرج اليهود من كل أرض فلسطين".
- "بإمكان اليهود اقتلاع جسدي من فلسطين، غير أنني أريد أن أزرع في الشعب شيئًا لا يستطيعون اقتلاعه".
- "لا تنزعجوا فلست وحدي مهندس التفجيرات، فهناك عدد كبير قد أصبح كذلك، وسيقضون مضاجع اليهود وأعوانهم بعون الله".
- "بالنسبة للمبلغ الذي أرسلتموه، فهل هو أجر لما أقوم به؟ إنْ أجري إلا على الله، وأسأله أن يتقبل منا، وأهلي ليسوا بحاجة، وأسأل الله وحده أن يكفيهم وأن لا يجعلهم يحتاجون أحدًا من خلقه؛ ولتعلموا بأن هدفي ليس ماديًّا، ولو كان كذلك لما اخترت هذا الطريق؛ فلا تهتموا بي كثيرًا، واهتموا بأسر الشهداء والمعتقلين، فهم أولى مني ومن أهلي".
- "لا شك بأن العائلة تعاني، ولكن هذا ابتلاء من الله عز وجل، وهو القائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، أسأل الله أن يكتبنا في الصابرين".
- "إنهم -أي السلطة- يحاولون بكل جدية اعتقالي أو قتلي فهم بالنسبة لي لا يختلفون عن اليهود سوى أننا لا نحاربهم؛ لأننا نعتبرهم من بني جلدتنا وهم يحاربوننا بالنيابة عن اليهود".
- "لسه الحبل على الجرار، والله -إن شاء الله- ما أخليهم يناموا الليل ولا يعرفوا الأرض من السماء".
"قالوا عنه" أقوال فلسطينية
"قلبي وربي رضيانين عليك يُمَّا"
والدة الشهيد يحيى عياش
"خرج القسام من أحراش يعبد وجاءت خلفه أسراب الشهداء.. حضروا جميعًا إلى مسجد فلسطين لكي يشهدوا عرس التحاق فتاهم الأروع بهم، وقف الشيخ الجليل في الجموع، وصاح صيحته التاريخية: إنه جهاد.. نصر أو استشهاد، فاستعادت الجبال والوديان والناس وقع الصدى.. إنه جهاد.. نصر أو استشهاد".
الكاتب: ياسر الزعاترة
"حي أنت يا يحيى وقريب.. أكاد أشعرُ بنبضك يروي قلوبنا بدم الثورة التي تسير نحو القدس بكل وهجها وكل غضبها.. لا هروبَ عن الموتِ حين يعرف طريقه للمرء، لكنه يُصبح حين ينتزع رجلاً مثلك بوابة الخلود في تاريخنا الحائر".
االروائية جهاد الرجبي
"قالوا عنه" أقوال صهيونية
"لا شك أن المهندس يمتلك قدراتٍ خارقةً لا يملكها غيره، وأن استمرار وجوده طليقًا يُمثل خطرًا داهمًا على أمن "إسرائيل" واستقرارها".
رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق رابين
"لا أستطيع أن أصف المهندس يحيى عياش إلا بالمعجزة، فدولة "إسرائيل" بكافة أجهزتها لا تستطيع أن تضع حلًا لتهديداته".
موشيه شاحل وزير الأمن الداخلي السابق
"إن "إسرائيل" ستواجه تهديدًا استراتيجيًّا على وجودها إذا استمرَّ ظهور أناس على شاكلة المهندس".
الجنرال أمنون شاحاك رئيس أركان الجيش الصهيوني السابق
"إنني أقرُّ أن عدم القبض على المهندسِ يمثل أكبر فشل ميداني يواجه المخابرات منذ إنشاء دولة (إسرائيل)"
يعكوف بيري- رئيس المخابرات الصهيونية سابقًا
"إن احتراف المهندس وقدرته تجلَّت في خبرته وقدرته على إعداد عبوات ناسفة من لا شيء".
جدعون عزرا نائب رئيس المخابرات سابقًا
"المشكلة في البيئةِ العقائدية الأصولية التي يتنفس المهندس من رئتها هي التي تبدع وتفرز ظاهرة المهندس وظاهرة الرجال المستعدين للموت في سبيل عقيدتهم".
د. سيلع ود. شتايتبرغ- أحد كبار الصهاينة
شبكة فلسطين للحوار