قائمة الموقع

عائلة "عياش" تروي تفاصيل من حياته

2014-01-05T16:02:56+02:00
الشهيد يحيى عياش وعائلته (الارشيف)
نابلس – الرسالة نت

الساعة الخامسة فجرا، استيقظت أم البراء عياش وقد جافا النوم عيناها، ودقات قلبها تتسارع وكأنها حالا ستتلقى نبأ رحيل من شاركته أصعب اللحظات وأقساها، فاليوم ذكرى فراق الغالي، وفي مثله قبل 18 عاما رحل عنها الرجل الذي أحبت.

ومع صبيحة الذكرى، قصدت "الرسالة نت" منزل أبناء الشهيد يحيى عياش في مدينة نابلس، حيث استقر بهم الحال بعد أن تزوجت والدتهم من رجل اسمه يحيى أيضا، ليبقى العياش حيّا حتى بذكر اسمه في كل تفاصيل الحياة.

تتسارع الخطى نحو المنزل، شوقا لتلمس تفاصيل هذا اليوم لدى زوجته وابنه البراء ويحيى، لتستقبلنا أم البراء بوجه باسم، والبراء بابتسامة ومحيّا لا يختلف أبدا عن تلك الصور التي رسخت بأذهاننا عن العياش، حتى وصفته أم البراء قائلة: "براء نسخة طبق الأصل عن والده".

في أركان المنزل علقت صور الشهيد في كل مكان، في صالة الجلوس، وفي غرف نوم الأولاد، بينما جلس الكل أمام شاشة التلفاز يتابعون تغطية ذكرى الاستشهاد، وتصفح مواقع الانترنت وصفحات المواقع الاجتماعي، وقد زخرت بصور العياش وكلمات رثائه.

تقول أم البراء وهي تنظر لوجه ابنها وترسم ابتسامة ممزوجة بالألم: "في كل مرة أنظر فيها لبراء أشعر وأني أنظر ليحيى، تفاصيل وجهه وهيئته وخجله، بابتسامته الهادئة، حتى بغضبه يكون هادئا كوالده، يأخذ ما يريد بصمت وابتسامة".

بقربها جلس البراء (22 عاما)، وهو من عرف عنه عدم حبه الحديث للإعلام كثيرا، مكتفيا بالاحتفاظ بحب والده بقلبه.

يقول براء لـ"الرسالة نت" كان عمري ثلاث سنوات ونصف عندما استشهد والدي، إلا أن بعض الصور والمواقف لا تزال معلقة بذاكرتي ولا أنساها".

ويروي البراء أكثر المشاهد التي لا زال يذكرها عن والده :"دائما ما كان والدي يجلسني بجواره عندما كان ينظف سلاحه، هذا المشهد لا يفارقني أبدا".

ويتابع: "في أحد المرات كنا في سيارة أنا ووالدتي ووالدي، وكان السلاح بحوزته، حينها خبأ أبي السلاح تحت قدمي أمي خوفا من أن يكشف أمرنا على أحد الحواجز".

تتلقف والدته أطراف الحديث قائلة: "إنها من المرات القليلة التي يتحدث فيها البراء عن ذكرياته مع والده، هو كتوم جدا كوالده".

وتستدرك قائلة: "لبراء مكانة خاصة عن باقي أخوته في قلبي، فهو من رافقني في رحلة المطاردة مع والده، خاصة لدى مكوثنا في قطاع غزة لمدة 11 شهرا قبيل استشهاده، عاش معي أصعب اللحظات حينها، وبعد استشهاد والده أيضا، فهو ابني وصديقي".

وتتابع والكلمات تسابق دموع عينيها: "على الرغم من المشقة في المطاردة، وفي الذهاب لغزة والعيش بمكان سري وكل ما يصاحبه من اجراءات أمنية، إلا أن همي كان أن يعرف براء والده، أكثر من أن يعرف يحيى ابنه، كان كل أملي أن يرى براء والده وأن يناديه بابا، ويا لروعة تلك اللحظات التي كنت أراهما سوية، وعندما كان براء ينتظره على النافذة ويجري لحضنه عند دخوله البيت".

أما عن ابنها يحيى (18 عاما) فقالت: "أخشى من النظر في عيون يحيى طويلا، أشفق على طفولته التي حرم من والده فيها، وهو من حكم عليه باليتم وعمره لم يتجاوز الاسبوع، ولم يحظ بصور مع والده كما شقيقه براء، هذا الأمر كثيرا ما ينص على يحيى وعلي أيضا".

المطاردة

عاش المهندس خمس سنوات متواصلة وهو مطارد، عانى خلالها الكثير هو وعائلته، حيث تقول أم البراء: "السنوات التي أمضاها يحيى في المطاردة كانت أصعب أيام حياته، كان أحيانا يأتينا وهو جائع لم يأكل منذ أيام، وفي أحد المرات جاء للمنزل وقد قطع مسافة طويلة على قدميه حافيا بعد أن تلف حذاؤه".

ولم تكن تمر أيام على عائلة عياش في بلدة رافات قرب سلفيت، حتى يتم اقتحام منزلها، وتخريب محتوياته، وبعد أن ينفذ العياش عملية في الأراضي المحتلة، سرعان ما كان جنود الاحتلال ينقضون على منزل عائلته وينكلون بهم ويهددوهم بقتل ابنهم فور أن يجدوه".

عن تلك اللحظات تقول أم البراء: "كان جنود الاحتلال عندما يهاجمون المنزل، يحطمون النوافذ برمي الحجارة، وبعدها ينادون بمكبرات الصوت ويأمرونا بالخروج، كانوا يخافون اقتحام المنزل خشية وجود يحيى، لقد كان رعبا يزلزل قلوبهم ولا يتجرؤون على اقتحام المنزل إلا عندما يأخذون أحدًا من أفراد العائلة كدرع بشري عند الاقتحام".

وتستذكر أم البراء أحد المواقف الطريفة، والتي أغاظت جنود الاحتلال حينها وتقول: "عند اقتحام المنزل في أحد المرات، وأخذوني كدرع بشري للداخل، كان الضابط يمسك الأثاث والفراش ويقول لي هذا كله مفخخ، وعندما أدخلني أحد الجنود لغرفة النوم، صار يبحث عن يحيى تحت السرير، حينها لم أتمالك نفسي من الضحك، وقلت له، هل تظن لو أن يحيى هنا سيبقى ينتظرك تحت السرير؟! فما كان منه إلا أن استشاط غضبا وبدأ بشتمي".

وعن وجوده في غزة تقول: "غزة كانت لنا حضنا دافئا، مكثنا أول ثلاثة شهور فيها في بيت واحد، وبعد ثلاثة شهور، أصبحنا نتنقل أسبوعيا من منزل لآخر، لكن ما كان يخفف عني أني أرى يحيى باستمرار، في حين أني بالضفة كنت نادرا ما أتمكن من رؤيته".

وفي آخر أيام يحيى، كان يتوق للعودة لأرض الضفة أو الاستشهاد، حيث تم التضييق عليه بشكل كبير في القطاع، وبدأ يشعر أنه مكبل لا يقوى على التحرك كما كان بالضفة، فطبيعة الضفة الجبلية كانت تشكل له مرتعا لتنفيذ مخططاته وتصنيع عبواته وهندسة عملياته.

وتمر اليوم الذكرى  الـ 18 لاستشهاد القسامي يحيى عياش، الذي اغتيل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بتاريخ 5 يناير عام 1996باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه الشهيد يحيى عيّاش أحيانًا.

اخبار ذات صلة