بات من الواضح أن البهارات الأمريكية لطبخة الشيف جون كيري الجديدة قد أدت الغرض المطلوب منها، ففاحت رائحتها لتعجب المفاوض الفلسطيني بعد الوثيقة التي كشفت عنها "الرسالة" وفيها تنازل كبير حظي به كيري مبدئيًا من رئيس سلطة رام الله محمود عباس، واعدا إياه بتسويق هذا الاتفاق عربيًا لتتم الموافقة عليه.
ورغم حديث الراعي الأمريكي عن استبعاد اتفاق الإطار فإن المعطيات على الساحة تؤكد أنه مجرد بالون اختبار كأن الأطراف تحاول جس نبض الشارع الفلسطيني والتستر على ما يجري على طاولة المفاوضات في آن واحد.
وعلى ما يبدو فإن أمريكا تسعى جاهدة لتمرير الاتفاق بأي طريقة كانت محاولة ترتيب أوراقها مع الشرق الأوسط، في حين تسعى السلطة عبر الاتفاق إلى المحافظة على موارد دعمها، أما (إسرائيل) فهي الرابح الوحيد لاستغلالها تلك الفرصة، ما يؤكد أن الاتفاق ساري المفعول ولا جدية في استبعاده.
ودار مؤخرا الحديث عن استبعاد توقيع اتفاق الإطار من الراعي الأمريكي، وهو ما أكده كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في تصريحات صحافية حين قال إنهم لا يريدون اتفاقا مرحليا.
ووفق مصادر مطلعة فإن دبلوماسيين أمريكيين أكدوا أنه من غير المرجح أن يتوصل الفريقان الفلسطيني و(الإسرائيلي) المفاوضيْن إلى تفاهم بشأن الاقتراحات الأمريكية قبل انتهاء زيارة كيري.
وقال السيناتور الجمهوري الأمريكي جون ماكين الذي يزور (إسرائيل) حاليًا أيضًا والمقرب من اليمين الحاكم في (إسرائيل) إن نتانياهو الذي التقاه أعرب عن تحفظات كبيرة حيال مقترحات كيري.
في ذلك الحين، فإن محللين في الشأن السياسي يرون أن ذلك يأتي في سياق التستر على خفايا المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال (الإسرائيلي) برعاية أمريكية، واعتبر المحلل السياسي حسن عبدو أن الفرضية الأكثر احتمالا توقيع اتفاق إطار، منبها إلى أن المفاوضات الجارية تختلف عن سابقتها، "لأنها استبعدت ثلاث قضايا رئيسية هي القدس والمستوطنات واللاجئين، وتناولت وفق الأجندة (الإسرائيلية) الأمن وخريطة التبادل المتعلقة بالحدود".
وأوضح عبدو خلال ندوة "في قاعة التحرير" أنه تم استجلاب أكثر من 60 خبيرا أمنيا إلى الضفة الغربية لدراسة الوجود (الإسرائيلي) الذي ينص على أن يبقى سبع سنوات قابلة للتمديد، منبها إلى أن البند المتعلق بخريطة التبادل سيؤدي إلى التنازل عن أراضي ذات أهمية كبرى في القدس والضفة الغربية.
القضايا الجوهرية
عريقات الذي يعتبر أفكار كيري "بالونات" اختبار شدد على أن الحديث لا يدور عن اتفاق انتقالي، وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكية بعد الاجتماع مع عباس: "ما يفعله كيري ليس اتفاقا انتقاليا أو مرحلة انتقالية، فهذا بات خلفنا، بل نعمل بجد من أجل التوصل إلى اتفاق حول كل القضايا الجوهرية"، وأضاف: "نأمل أن يمتنع الجانب (الإسرائيلي) عن أي أعمال تحكم مسبقا أو تقوض نتائج مفاوضات الوضع النهائي مثل النشاطات الاستيطانية وهدم المنازل".
وخلال تواصلنا مع المحلل السياسي حسن عبد الله من رام الله بيّن أن التوصل إلى اتفاق نهائي غير واضح حتى الآن، عازيا ذلك إلى وجود مشكلات كبيرة وأن القضايا الخلافية بين الطرفين أكبر بكثير من المتفق عليها.
وفيما يخص تصريحات عريقات الأخيرة، قال: "من يعود إلى اتفاقات أوسلو ويدرس ما جرى بعدها يخلص إلى نتيجة مفادها أن أي اتفاق مرحلي بالنسبة إلى (إسرائيل) اتفاق نهائي"، وتابع: "خطورة أي اتفاق إطار مؤقت فيما لو وافقت عليه السلطة أن (إسرائيل) ستستعمله كاتفاق وستتذرع به كالتجربة السابقة من أجل كسب الوقت لمزيد من الاستيطان وفرض الحصار على القدس".
وحرص عريقات في تصريحه على تأكيد أن الحديث هو عن دولة على حدود 1967، وقال: "أعتقد أنه الاجتماع الـ21 بين عباس وكيري (...) بذل كيري كل جهد ممكن من أجل تحقيق حل الدولتين".
عبد الله نبه بدوره لـ"الرسالة" إلى أنه لا يوجد حتى اللحظة اتفاق على القضايا الجوهرية، مشيرا إلى أن (إسرائيل) تتقن فن اللعب بالوقت لاستثمار كل مراحل المفاوضات من أجل ترسيخ مشروعها الاستيطاني.