رغم إدراكنا المصالح الأمريكية الحيوية التي تدفع جون كيري لمواصلة اهتمامه بعملية السلام، فإن علينا أن نعبر عن تقديرنا لجهوده من ناحية، وأن نبلغه بمطالبنا من ناحية ثانية. إننا نتوقع، قبل نهاية المدة المحددة للمفاوضات في 29 إبريل المقبل- أن نجد أمامنا طرحاً أمريكياً محدداً وقوياً لإنهاء القضايا الجوهرية في الصراع، وهى: 1- حدود الدولة الفلسطينية. 2- وضع القدس. 3- قضية الأمن. 4- مسألة المستوطنات. 5- قضية اللاجئين.
أعتقد أن الوزير الأمريكي يدرك أن الشعوب العربية تنظر بسخرية إلى المفاوضات حول التسوية النهائية التي انطلقت بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، فقد مرت عشرون عاماً على جولات متتابعة، بدءاً بمفاوضات ثنائية، ثم مفاوضات برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون في كامب ديفيد الثانية عام 2000، ثم مفاوضات برعاية أمريكية في أنابوليس عام 2008، وصولاً إلى جولة المفاوضات الحالية.
لقد قدم الفلسطينيون تنازلاً تاريخياً ضخماً عندما قرروا، بتشجيع من المجموعة العربية ودول العالم، أن يكفوا عن المطالبة باستعادة أراضيهم التى اغتصبتها إسرائيل عام 1948! كانوا يعتقدون أن المطلب الإسرائيلى الملهوف على الاعتراف بالدولة الإسرائيلية فى حدود عام 1948، من جانب الفلسطينيين والدول العربية- سيؤدى إلى انسداد شهية التوسع الصهيونى فى الضفة الغربية، ويفتح الرغبة الصادقة فى السلام من جانب الإسرائيليين،غير أن اتفاق أوسلو المرحلى لم يضع نهاية لأطماع التوسع الإسرائيلية، بل زادها، كأن لسان حال الإسرائيليين يقول: «حسناً بما أن الفلسطينيين اعترفوا بإسرائيل قبل أن يحصلوا على دولتهم، فلنواصل إذن قضم أرض الضفة الغربية وهضمها». فلم يعد الفلسطينيون قادرين على التراجع عن اعترافهم بإسرائيل.
ولعلك تدرك مستر كيرى أسلوب الحركة الإسرائيلية القائم على مواصلة طرح مطالب جديدة من نوع مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بدولة إسرائيل (كدولة قومية للشعب اليهودى)، وهو مطلب يهدف، فى الدرجة الأولى، إلى إلزام الفلسطينيين ضمنياً بالتنازل عن حق اللاجئين المشردين فى العودة إلى أراضيهم ودورهم التى نهبت منهم.
أخيراً: تفتق الذهن الإسرائيلى عن مطلب جديد، وهو الاحتفاظ، بالإضافة إلى الكتل الاستيطانية الكبرى فى الضفة، بغور الأردن، الذى تبلغ مساحته 29٪ من مساحة الضفة.
إن تصور هذا الطلب بلغة الأرقام يدعو إلى الاشمئزاز من نزعة الطمع الاستعمارى الإسرائيلى، ذلك أن مساحة أرض فلسطين بكاملها هى حوالى سبعة وعشرين ألف كيلومتر مربع ونصف.
استولت إسرائيل منها فى عام 1948 على حوالى واحد وعشرين ألف كيلومتر مربع، وهو ما يعنى أن ما بقى لإقامة الدولة الفلسطينية فى الضفة وغزة لا يتجاوز ستة آلاف كيلومتر مربع ونصف، وعندما تطالب إسرائيل اليوم بضم غور الأردن، وهو حوالى ثلث هذه المساحة، فمعنى هذا أنها تريد ضم ألفى كيلومتر مربع من الضفة، بالإضافة إلى مساحة كتل الاستيطان الكبرى، وهو ما يعنى، فى نهاية الأمر، ترك مساحة لا تزيد على أربعة آلاف كيلومتر مربع للدولة الفلسطينية محل التفاوض.
ولاشك أنك تعلم مستر كيرى أن ثمانية وزراء إسرائيليين معظمهم من «ليكود» بزعامة نتنياهو و«إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيجدور ليبرلمان و«البيت اليهودى» بزعامة نفتالى بينيت- قد وافقوا، قبل وصولك مباشرة على مشروع القانون الذى قدمه عضو الكنيست ميرى راجاف لضم غور الأردن إلى إسرائيل حتى لو تم توقيع اتفاقية سلام.
إن الدلالة هنا أن اليمين الإسرائيلى يحاول قطع الطريق على جهودك لإيجاد تسوية عاقلة وعادلة، ودفعك إلى الضغط على الرئيس عباس لقبول الفتات.
مستر كيرى، أعتقد أنك تدرك أن طرح فكرة اتفاق الإطار، باعتباره حلاً مرحلياً مؤقتاً لكسب الوقت وتمديد فترة التفاوض التى تنتهى فى 29 إبريل المقبل- فكرة غير مقبولة، ولا معنى لها سوى تعريض الهيبة الأمريكية للسخرية، ذلك أن حلاً مؤقتاً جديداً لا يعنى سوى الخروج من حلقة تفاوض إلى حلقة أخرى على نحو عبثى، مع استغلال الضعف الفلسطينى من ناحية، وانشغال الحكومات العربية فى مسائل أخرى من ناحية ثانية.
إذا كنت، مستر كيرى، فى حاجة إلى وقت جديد، فإنه يمكنك أن تضع اتفاق إطار يشمل الصورة النهائية لتسوية القضايا الخمس الرئيسية، مع ترك فترة زمنية للتنفيذ وليس للتفاوض من جديد. نحن نريد اتفاق إطار ينص أولاً على أن حدود الدولة الفلسطينية هى حدود الرابع من يونيو 1967، مع تبادل للأراضى بالمساحة والنوعية نفسها. ونريد أن ينص، ثانياً، على أن القدس الشرقية هى عاصمة للدولة الفلسطينية مع ترتيبات خاصة لضمان حرية العبادة. وينص، ثالثاً، على سحب جميع المستوطنين اليهود من الضفة وتركيزهم فى منطقة واحدة تكون مساحتها موضع تبادل بأراض من داخل إسرائيل. وينص، رابعاً، على أن سيادة الدولة الفلسطينية مصونة، وأنها مسؤولة عن الأمن داخل وخارج حدودها، ولا مانع من مشاركة دولية فى مراقبة الحدود بينها وبين إسرائيل من ناحية والأردن من ناحية ثانية. وينص، خامساً، على حق اللاجئين فى الاختيار بين العودة أو قبول التعويضات العادلة. ونريد، سادساً، أن ينص اتفاق الإطار على جدول تنفيذى ملزم. هكذا، مستر كيرى، نضع حداً لمهزلة المفاوضات المستمرة منذ 20 عاماً.