للوهلة الأولى، وأنت تسير آخر الشارع الثالث قرب الأمن العام شمال غرب مدينة غزة ستجد على قارعة الطريق خيمًا، ستظن أنك أمام بيت عزاء، لما يحيط بها من يافطات تشبه تلك التي تتواجد في سرادق العزاء بغزة.
هي خيم عزاء فعلًا ولكن من نوع آخر، فالمتوفى هنا ليس بشرًا أو روحًا وإنما المُعزّى به "راتب الموظف" المظلوم من سلطة رام الله.
هما خيمتان مقابل بعضهما، وكأن المظلوم يستأنس بأخيه الذي يقع عليه نفس الظلم من نفس الجهة الظالمة. الخيمة الأولى لموظفي السلطة من تفريغات عام 2005، انقطعت رواتبهم دون سابق إنذار بعد الانقسام الفلسطيني، والثانية للموظفين المقطوعة رواتبهم نتيجة تقارير "كيدية".
يجلس "أبو محمود" بجوار أقرانه المعتصمين في الخيمة الأولى، ويقول ما جرى بحقنا "إجراء تعسفي" دون أي سند قانوني لا يقبله أحد.
ويضيف لـ"الرسالة نت"، "نحن معتصمون منذ شهر في هذه الخمية لمطالبة الرئيس محمود عباس باعطائنا حقوقنا واسترجاع مستحقاتنا كاملة".
ويؤكد الأربعيني أن الموظفين تدرجوا قانونيا وفق السلم الوظيفي ولهم أرقام مالية أسوة بباقي موظفي السلطة، متابعًا "بعد أحداث الانقسام قرر رئيس حكومة رام الله السابق سلام فياض بين ليلة وضحاها اعتبارنا موظفي شئون اجتماعية ونكث بكل وعوده التي كان يعد بها عند التعيين وبعد الانقسام".
أحد الموظفين المعتصمين يقاطع أبو محمود بالقول: "تواصلنا مع رئيس حكومة رام الله رامي الحمدلله، وأبلغنا أن القضية في الإدارة والتنظيم"
الموظف -الذي رفض التعريف عن اسمه واكتفى بقوله أنا مهندس- يشتكي بأن أمثاله لا يستطيعون العمل في أي مكان آخر لأنه مسجل في الحكومة على أنه "موظف رسمي"، برقم وظيفي ومالي.
دعوة مزدوجة
ووجه دعوته لمنظمة التحرير باعتبارها منشأ السلطة، بانصافهم وإعادة حقوقهم لهم، مطالبًا في الوقت نفسه الكل الفلسطيني أن ينظر لهذا الملف نظرة أخرى؛ "لأنها قضية تمس القانون الفلسطيني الأساسي"، وفق قول المهندس.
وعاد أبو محمود ليكمل على حديث زميله: "نتمنى أن ينظر عباس بعين العطف لأبنائه في غزة وحل مشكلات أبناء فتح العالقة، ونحن نسمع الحديث عن مصالحة فالأجدر أن يتواءم مع أبنائه (الفتحاويين) ثم مع الآخرين (الحمساويين)".
ويعاني منذ أكثر من 9 سنوات موظفي تفريغات عام 2005 البالغ عددهم 13 ألف موظف منهم من يأخذ 800 شيكل ومنهم 1000 وهناك 1500 كرواتب ثابتة دون رتب عسكرية أو ترقيات، بالإضافة إلى أن منهم من قطعت رواتبهم بشكل كامل مباشرة بعد أحداث الانقسام دون سبب.
ووفق أبو محمود, فإنه عرض عليهم في السابق حلول جزئية، لكنها مرفوضة، "فبعد معاناة 9 سنوات لا يمكن الآن القبول بحل جزئي أو حلول لأشخاص دون آخرين".
وأثناء حديث أبو محمود وزميله لـ"الرسالة نت"، يقف موظف آخر باديا عليه علامات الغضب الشديد، مكتفيًا بالقول: "دافعت عن السلطة في ذلك الوقت، وكنت على رأس عملي، وأصبت في قدمي وأنا بحاجة لإجراء عملية، ولكن لم يتطلع لي أحد من السلطة، وراتبي مقطوع... أريد معرفة السبب، وأريد حقي".
وسيتسمر الموظفون في الاعتصام بشكل مفتوح حتى تتحقق كامل مطالبهم، وقد يبدؤون خطوات تصعيدية تصل إلى إضراب تدريجي عن الطعام، فالقضية غير تنظيمية وهي تمس القانون الأساسي الفلسطيني، وفق اجماعهم على ذلك. محمّلين الجهات المسئولة برام الله عن استمرار معاناة الموظفين وحياتهم.
وتم تفريغ هذه الشريحة من الموظفين في العهد الذي كان يشغل موقع وزير المالية الدكتور سلام فياض، ووقع على الموازنة التي تخص الراتب وكانت بموافقته، ووافق عليها رئيس السلطة محمود عباس ووزير الداخلية آنذاك نصر يوسف.
المقطوعة رواتبهم
وليس بعيدًا عن الخيمة الأولى، يعتصم الموظفون المقطوعة رواتبهم منذ 7 سنوات نتيجة تقارير كيدية رفعت بحقهم للسلطة.
ويقول "أبو أسامة" مدير الخيمة لـ"الرسالة نت": "اعتصامنا للمطالبة بإرجاع الرواتب المقطوعة ظلمًا بدون مراجعة الموظف ومتابعة تبِعات القرار أو إشعاره بأنه ارتكب ذنبًا".
ويضيف مستهجنًا "لا يوجد في القانون الفلسطيني قطع الراتب بدون توجيه تهم واضحة واثبات التهمة على الموظف".
ويشير إلى أن الخيمة جاءت لمتابعة الحقوق ومعرفة سبب قطع الرواتب والضغط على المسئول الفلسطيني لوضعه أمام مسئولياته وارجاع الراتب للموظف وإنهاء معاناته".
وحول مطالب المعتصمين في الخيمة حتى ينهوا اعتصامهم، يؤكد أبو أسامة أن مطالبهم شرعية بإرجاع حقوقهم كافة بعودة الرواتب وكل المستحقات.
ويتابع: "اعتصامنا لم يأت من فراغ، وإنما بسبب ظروف اجتماعية قهرية واجهت الموظفين الذين لا راتب لهم أو دخل، ومنهم من أصيب بالضغط والسكر والقلب نتيجة ضغوط الحياة عليهم، ومنهم أخرج أبناءه من الجامعات".
وبحرقة تعتصر قلبه، يقول أبو أسامة: "ما ذنب إنسان قدّم زهرة شبابه في خدمة السلطة وفجأة يقطع راتبه دون سبب".
وناشد أبو أسامة، رئيس السلطة محمود عباس ورئيس حكومته رامي الحمدالله بالإسراع في إصدار الأوامر لإنهاء معاناة الموظفين الممتدة منذ 7 سنوات وتنفيذها مباشرة.
الخيمة ستبقى بالطرق السلمية المتاحة، وسيصعّد الموظفون خطواتهم بإحضار أبنائهم وزوجاتهم إلى الخيمة للضغط على المسئولين، وحل مشاكلهم، وفق أبو أسامة.
ويبقى حال الموظفين معلقًا بيد عباس بعد الله، وينتظرون استجابته لمطالبهم وحقوقهم الشرعية والقانونية التي سلبها منهم هو وحكومته برام الله.
بعدسة محمود أبو حصيرة