الوسطى-محمد بلّور-الرسالة نت
لم أكن أعلم أن الجمال والمأساة تزوجت قبل أيام قرب الحدود بحضور آليات الاحتلال لتنجب معاناة كثمرة الحنظلة وسط الزهور البريّة والعشب الأخضر.
جراح معين وعبد الحي بن سعيد طازجة بمقدار يؤهلها للتغلب على عطر زهور الربيع المتمايلة وسنابل القمح الخضراء .
الآن أصبح عبد الحي ومعين و"دزينة" من الأطفال بلا مأوى بعد أن جرفت الآليات الإسرائيلية ثلاثة منازل مقابل موقع "أبو صفية" شرق قرية المصدر .
كوم ركام
امتنع مهنئو معين بن سعيد 32 عاما بالبيت الجديد من الاتصال به أو التنسيق لزيارته بعد أن فقد منزله الجديد عقب مرور شهر على سكناه فيه.
قرب كومة من الركام جلس معين مستذكرا ساعة الجريمة فأضاف:"أبني وأجهز البيت منذ 8 سنوات حتى سكنته قبل شهر فنحن أسرة مكونة من خمسة أفراد إضافة إلى أبي وأمي لكن الجرافات أتت قبل أيام على المنزل وهدمته دون سابق إنذار" .
ولا تفصل منزل معين سوى مئات الأمتار عن موقع "أبو صفية" العسكري فكل الملامح الحدودية واضحة من تلك المنطقة التي تعرضت لاجتياح قبل أسبوعين دمر الاحتلال فيه 3 منازل وجرّف دونمات من الزيتون والقمح .
تفوح رائحة الزهور البريّة المقاومة لآثار الدبابات الإسرائيلية التي قضت على بعضها وتركت أخواتها واقفة في الشمس بينما حلّقت فوق السلك الحدودي العصافير .
جهّز معين من ركام منزله مكانا للجلوس مكون من 3 أحجار متقاربة قبل أن يواصل:"وضعت المال قرش على قرش –يعبث بأحد الأعواد-لكنهم جرفوا البيت والزيتون والقمح " .
وترك معين صبيحة ذلك اليوم منزله لإيصال ابنه للمدرسة وفي طريق عودته علم بأن الآليات توغلت في المكان ونادى الجنود عبر مكبرات الصوت على سكان المنزل بإخلائه فورا.
تقدمت الجرافات والدبابات ودوريات راجلة للمنزل وبعد 5 دقائق من النداء كان المنزل يهوي تحت أسنان الجرافات واختنقت كلمات معين متابعا:"أنا الآن بلا بيت فأمكث وأولادي عند نسايبي ولا أعرف ماذا سأفعل فقد زار المكان نواب التشريعي والصليب والوكالة لكني بحاجة لمساعدة وحل !" .
وتتناثر بين ركام المنزل خرق ممزقة وبقايا فراش وعربة أطفال نجت من الدمار فطفت على سطح الركام دون عجلات تعينها على الدوران فصمتت مكانها.
وبعد أن هدم سائق الجرافة الإسرائيلية منزل معين ضغط على دوّاسة الوقود متجها لمنزل شقيقه الذي آتي عليه الدور,فاحت رائحة الوقود من الآلية الثقيلة وهمت بمهاجمة المنزل الثاني فاضطرت والدة معين للوقوف أمامها بجسدها فأضاف معين:"عندها وقفت أمي وأختي وقالت أمي لسائق الجرافة لقد هدمت منزلا فلتترك الآخر للأطفال!!" .
تناول السائق جهازه اللاسلكي ورطن بالعبرية مع أحدهم ثم أشار بيده للأم أن اكتفينا فلن نهدمه ودار بجرافته مجهزا على أشجار الزيتون حول البيت وسنابل القمح الخضراء .
بقايا ذكريات
يتناوب أحد الجراء مع ديك في الجوار على النباح والصياح في حالة لا تجمع معها إلا جراح عبد الحي ومعين المملحة حديثا .
وفقد عبد الحي بن سعيد منزله المجاور لمنزل معين في ذات الساعة وبنفس الطريقة حيث أضاف للرسالة :"منزلي مكون من طابقين تسكنه أسرتي منذ 15 عام وتتكون من 6 أفراد منهم 2 أطفال معاقين وأبي وأختي وبنينا المنزل طوبة طوبة وسددنا ديونه لسنوات طويلة حتى فقدناه في دقائق" .
وتقدمت بذات الطريقة 5 جرافات و10 دبابات للالتهام منزل عبد الحي حيث أمهل الجنود أسرته 5 دقائق لإخلائه قبل الإجهاز عليه .
وأبدى عبد الحي 40 عاما استغرابه من قدوم حشد كبير يصلح لعملية عسكرية ضخمة لتنفيذ عدوان على بيته وتدمير بئر المياه وشبكة الري والزيتون وأشجار عنب والتين ومزرعة الحمام والدجاج.
حتى حمار المزرعة لم يسلم من العدوان فاقتلعته إحدى الجرافات وهو في قلب حجرة الصفيح وقتلته على الفور حيث جرف الاحتلال مزرعة الزيتون لأسرته قبل أعوام ولكن عنفه هذه المرة أتى على مأوى الأسرة الوحيد .
أحضر معين إبريق الشاي وصبه في أكواب زجاجية قبل أن تمر دقيقة صمت احتراما لمشروب الصباح ثم تابع عبد الحي:"كانوا دائما يطلقوا النار على المنزل وعلى الحمامات الشمسية لكن لا أعلم لماذا هدموا منزلي فما ذنبي وما ذنب الزيتون والأشجار؟!" .
وتنقل عبد الحي بخطواته بين الركام فيما كان والده المسن يجتهد في لملمة بقايا مستلزمات زراعية ويضمها لأخواتها الناجية .
وتمكن عبد الحي من الدخول في بقايا حجرة منتشلا جهاز تسجيل نصف مدمر وأضاف:"والدي مزارع والزراعة مصدر رزقنا الوحيد وهو الآن ينوي إعادة تشجير الأرض المدمرة بالزيتون فهذه هي المرة الثانية لاقتلاعها".
وقال عبد الحي إن موقع أبو صفية العسكري دأب على إطلاق القذائف قرب منزله وفي أرضه الزراعية بينما يكرر أحد الجيبات العسكرية إطلاق النار بشكل عشوائي تجاه المنطقة بين يوم وآخر .
كما أتت عملية التوغل على أسلاك وشبكة الكهرباء التي تمددت خطوطها على الأرض في عملية توغل هي الأبرز منذ انتهاء الحرب والعدوان على غزة دمر فيها الاحتلال 3 منازل وعشرات الأشجار المثمرة .
وتشتت أسرة عبد الحي, فالزوجة والأولاد عند أهلها وهو ووالده يمضون أوقاتهم عند الأصدقاء وأطلال البيت والأشجار المنتحبة حيث أضاف:"لقد ربى والدي أشجار الزيتون كما يربى الولد الصغير وهو الآن تعبان نفسيا لما حدث".
وتترجم حبات العرق على جبين والد عبد الحي وتأمله في بقايا الأشجار تفاصيل ذلك الزواج الذي عقد في شهر مارس قرب الحدود فأنجب معاناة بعطر الزهور البريّة .