مشهدان عجيبان يجريان في فلسطين الأول في قطاع غزة والآخر في الضفة الغربية. متناقضان ولا يعبران عن عملية متوازنة، ولا يعطيان مبشرات حقيقية أننا أمام حدث ينتظره الفلسطينيون منذ ما يزيد عن سبعة أعوام لإنهاء حالة الانقسام واتمام المصالحة لمواجهة القادم صفا واحدا بما يحقق المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
في قطاع غزة تستقبل قيادات حركة فتح وعناصرها على مختلف مسمياتهم بالقبلات والأحضان، وتوزع الابتسامات في كل الاتجاهات، ويسكن القادمون في فنادق خمسة نجوم ويسمح لهم بعقد الندوات والمؤتمرات واللقاءات، وتستقبلهم المؤسسات ورئيس الوزراء إسماعيل هنية.
هذا المشهد يؤكد حقيقة واحدة أن حركة حماس والحكومة برئاسة هنية لديها توجه حقيقي لتحقيق المصالحة وها هي تتعامل مع حركة فتح بكل محبة، وتمهد لهم الطريق بالدخول إلى القطاع وهذا حق لأنه جزء من وطن كبير اسمه فلسطين، وهذه حقيقة ليست جديدة ولكنها تأكيد على حقيقة سعت لها حماس في المراحل المختلفة، بعد إفشالها لمحاولة الانقلاب على الشرعية وصناديق الاقتراع التي حدثت عام 2006 وما أعقبها من أحداث دامية ارتقى فيها الشهداء والجرحى، وتم خلالها إحراق المنازل وجرائم تعذيب مختلفة جرت في أماكن رسمية للسلطة حتى تحول المنتدى إلى مركز اعتقال وتعذيب لمن يشتبه بهم أنهم من حماس، حتى اعدم أحد المواطنين وهو من حركة فتح على أيدي فتح عندما القي به من الطابق الرابع عشر وفق اعتراف من احد قيادات فتح.
في الضفة الغربية مشهد مختلف: أنصار حماس يلاحقون وتداهم منازلهم وتوضع الأصفاد والقيود في أيديهم، ويلقى بهم في زنازين، ويتعرضون للتعذيب والقمع والشبح والعزل، ويمنعون من الزيارة وعندما تصدر بحقهم أحكام وإفراجات ترفض الأجهزة الأمنية الإفراج عنهم، وعندما يسأل الأهل عن سبب عدم الإفراج يكون الرد أنه معتقل على ذمة الجهاز، أما معاناة الأهل فحدث ولا حرج.
هذا المشهد علام يدل؟ هل يدل على أن فتح والسلطة في رام الله تريد مصالحة حقيقية؟ وهل هذه الممارسات تشيع أجواء وبيئة يمكن أن تؤسس لقاعدة ترتكز عليها المصالحة وتمضي بشكل ايجابي وسريع بما يحقق إنهاء الانقسام؟، وهل هذا المشهد يتوافق مع المشهد الذي وصفناه في قطاع غزة؟.
أنا لست ضد ما حدث في غزة أو ضد هذه الأجواء الايجابية لأننا نتشوق لليوم الذي ينتهي فيه الانقسام وتعود وحدة الصف بين الكل الفلسطيني حتى لو في الحد الأدنى من التوافق بين القوى والفصائل على مختلف أطيافها السياسية ومعتقداتها وخاصة فتح وحماس اللتين تشكلان العمود الفقري للشعب الفلسطيني. ولكن في المقابل من الضروري حدوث تغييرات في الضفة أقلها وقف الاعتقالات السياسية وتبييض السجون من المعتقلين السياسيين ووقف الملاحقات والمطاردات والاستدعاءات والفصل من الوظائف وغير ذلك من أشكال التنكيل وعلى رأيها حرية الرأي والتعبير وإشاعة الحريات العامة وهذه النقطة الأخيرة بحاجة إلى تغيير جذري في الضفة وأن تتسع في غزة .
ولكن ما أراه ،وقد أكون مخطئا، أن هذه الوفود وهذه الشخصيات (المستقلة) وعلى رأسها منيب المصري لم تأت من اجل المصالحة أو تحقيق الوحدة الفلسطينية ، فوفود فتح لم تأت إلا من أجل إنهاء الخلافات التي قد تشق حركة فتح وخاصة بعد استقالة اللجنة القيادية لحركة فتح في قطاع غزة ، هذه اللجنة التي لم تستقر على تشكيلة منذ فترة ليست بالقليلة ، والحديث عن المصالحة حديث شكلي لأن استمرار المفاوضات هو أولوية للسلطة وحركة فتح حتى أن كبير المتعاونين والمطبعين مع الاحتلال الصهيوني محمد المدني للأسف موجود في قطاع غزة وجمال محيسن الذي أطال لسانه بحق الشيخ المرحوم البيتاوي وقيادات حماس ووصفهم بألفاظ أتعفف عن ذكرها، كثيرا ما هاجم حماس ونال منها ومن وطنيتها وهي اليوم تفتح ذراعيها في استقباله.
على حماس أن تدرك أن عباس وحركة فتح يعتقدون أنها في لحظة ضعف وعليها أن تسلم لمحمود عباس وان تقبل ما يعرضه، وعلى حماس وحكومة الأستاذ إسماعيل هنية أن تكون واضحة في مواقفها وترسل رسالة لعباس وفتح بان ما تقدمه هو تأكيد على حرصها على المصالحة وان منطلقها مصلحة الشعب الفلسطيني وهي تطرح موقفها بقوة ومن منطلق قوة وأن هذا الذي تقدم عليه هو خطوة في الاتجاه الصحيح يجب أن يكون مقابلها خطوات في الضفة الغربية لو كانت حركة فتح وعباس حريصون على المصالحة وإنهاء الانقسام، وألا يكون كل هذا الحديث هو عبارة عن قفزات بهلوانية سركية خداعة.