يعد رجل الأمن المكوّن الأساسي في العجينة الحكومية، والذي يمنحها الصلابة والقوة في مواجهة أي محنة قد تمرّ بها الحكومة والدولة، حتى وإن كانت "ضائقة مالية".
رجال الأمن في الحكومة الفلسطينية أجمعوا على أن الضائقة المالية بمثابة الضربة التي تزيد قوة الأجهزة الأمنية، في ظل المؤامرات التي تحاك ضدها من أطراف (إسرائيلية)-عربية.
الضائقة التي تعانيها الحكومة في غزة وُلدت بعد إغلاق السلطات المصرية للأنفاق الأرضية على الحدود مع غزة، وكذلك منع (اسرائيل) ادخال المواد الانشائية إلى القطاع.
خليل العثامنة يعمل في مركز شرطة بيت حانون شمال غزة، يؤكد أن الضائقة المالية أثّرت عليه بصورة شخصية وعائلته أيضًا، لا سيما أن نصف الراتب أحدث خللًا في جدوله الشهري.
ويقول العثامنة لـ "الرسالة نت" إنه من الطبيعي أن تؤثر الضائقة عليه، فقد كانت مصروفاته تصل إلى ألف شيكل قبل دخول منتصف الشهر، لكنها حاليًا تصل إلى 500 شيكل فقط.
تأثير ملحوظ
ويتّبع خليل وغيره الكثيرين سياسة التقشف في ظل الضائقة المالية، كما أنه يفكر بالبحث عن عمل إلى جانب خدمته في جهاز الشرطة، شرط ألّا يؤثر الأخير على سير الأول.
ويضيف: "الظروف دفعتني إلى البحث عن عمل آخر لسد العجز وتعويض النقص في راتبي الشهري، لكن في نفس الوقت فرص العمل ضئيلة جدًا".
وتوقّف العثامنة المعيل لطفلين عن إعطاء أهله نصيبهم من راتبه الشهري، وامتنع مرغمًا على عدم تسديد التزامه، مما سبب له الحرج مع أحد أصدقائه وصاحب الدكان التي يستدين منها.
العثامنة الذي بات يوفر ايجار الوصول إلى مكان عمله يجزم أنه على الرغم من تأثير الضائقة على حياته الشخصية، إلا أنها لا تؤثر على عمله العسكري في جهاز الشرطة بالمطلق.
وبعد مضي نحو شهرين على الضائقة المالية، نظمت وزارة الداخلية والأمن الوطني عرضًا عسكريًا، شاركت فيه كافة الأجهزة الأمنية.
اتباع سياسة التقشف
أما عبد الله أبو فول الذي عمل في الشرطة القضائية، فإنه تأثر كما العثامنة وغيره من أفراد الأجهزة الأمنية بالضائقة، واتبع كذلك سياسة "التقشف ثم التقشف".
اتباع أبو فول تلك السياسة لم يأتِ من فراغ، إنما تماشيًا مع الأوضاع المعيشية الضيقة التي يعيشها في ظل تقاضيه نصف الراتب من جهة، والحصار المفروض على غزة من جهة أخرى.
ولا يفكر عبد الله مطلقًا بترك عمله في الأجهزة الأمنية رغم تحامل الأعباء والديون على كاهليه، فيقول: "الأمر ليس ماديًا بقدر ما هو انتماء وحرص على العمل".
لكن في المقابل لا يعارض أبو فول فكرة العمل الإضافي، مشترطًا ألا يؤثر ذلك على خدمته في جهاز الشرطة القضائية. ويؤكد أنه بدأ فعليًا البحث لكنه لم يجد.
وكان وزير المالية في الحكومة الفلسطينية المهندس زياد الظاظا قد توقع في تصريحات صحفية سابقة نشرتها "الرسالة نت" انتهاء الضائقة المالية التي تمر بها حكومته خلال الأيام المقبلة.
ونفى ما يتداوله البعض بأن الأزمة المالية "تكتيك من الحكومة"، وطمأن آنذاك الموظفين أنه في حال توفر أي مبلغ مالي لدى الحكومة فسيتم صرفه لهم فورًا.
هيئة التوجيه السياسي والمعنوي التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية بغزة، دأبت العمل على الوقوف إلى جانب العاملين لدى الوزارات وأجهزة الأمن، خاصة في ظل الضائقة المالية.
العقيد الدكتور محمد الجريسي مدير إدارة المحافظات بالهيئة يؤكد أن تأخر الرواتب وعدم انتظام صرفها يشكل نوعًا من الصعوبات لدى أبناء الأجهزة الأمنية كباقي الوزارات.
عقلية رجل الأمن
واستبعد الجريسي أن تؤثر الضائقة المالية على عمل الحكومة، وقال لـ "الرسالة نت": "نتملك أجهزة أمنية لديها حس وطني عالي، وانتماء يدفع رجل الأمن إلى تأدية واجبه على أكمل وجه".
ولهيئة التوجيه دور في العمل على تعزيز القالب الديني لدى أبناء الأجهزة الامنية، لأن ذلك يعد من صور الابتلاءات وضريبة لابد من أن تدفع من أجل التمسك بالثوابت. كما يقول الجريسي.
ولفت إلى تنظيم الهيئة ورشة تهدف إلى جمع المتخصصين النفسيين، والعاملين في وزارتي المالية والاقتصاد لتقديم اقتراحات وتصورات من شأنها التخفيف من الضائقة.
وعن عقلية رجل الأمن يقول الجريسي إن أي انسان لديه مكون عقلي ومكون روحي وآخر جسماني، والأساس الذي يتحكم بسلوك الفرد هو المكون العقلي الذي يشكل الدافع لهذا التفكير.
ويضيف: "إذا تم توجيه العقلية بصورة سليمة حول الاسباب الحقيقية وراء المشكلة (الضائقة) فستتولّد لدى الموظف قناعة"، ويجزم أن غالبية الموظفين لديهم قناعة بأن تلك الضريبة تدفعها الحكومة من أجل تمسكها بالثوابت.