قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: غزة والموازنة الأسطورية

سمير أبو محسن
سمير أبو محسن

بقلم// سمير أبو محسن

(غزة هربت 5 مليار طن من الوقود المصري) هذه العبارة ليست من وحي الخيال ولا هي كذبة نيسان, لكنها عبارة أوردها مذيع قناة ON TV ضمن الهجمة الإعلامية المصرية المتواصلة التي يقوم خلالها عدد من إعلاميي الفضائيات ووسائل الإعلام بالتحريض ضد قطاع غزة من اجل إثبات أنها السبب الأول لما يحدث في مصر, و إقناع البعض من المخطوفين ذهنياً بأن غزة هي سبب الأزمات البترولية التي تعيشها مصر خلال الأشهر والأعوام الماضية, حتى أن المتابع للشأن المصري يكاد يقتنع وفق وسائل الإعلام المصرية أن غزة تمتلك من الإمكانات ما يعجز عنه حلف الناتو من طائرات وصواريخ وأسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية وغيرها من الأسلحة التي يحظر على كثير من الدول امتلاكها , لم يتوقف الأمر عند الاتهام وبالإرهاب مرة وبافتعال الأزمات مرة أخرى وباحتلال أجزاء من الحدود والأراضي المصرية في أحيان أخرى, بل وصل الأمر إلى اكتشاف المذيع الفصيح لسر الأزمة التي أرقت المصريين حكومةً وشعباً , وهو أن قطاع غزة حصل على كل هذه الكمية من الوقود المصري الذي كان مخصصاً للشعب المصري وان غزة بالتالي هي المسئولة عن الأزمة .

ورغم هذا الغباء الذي يبدو انه من سلالة جديدة ظهرت في الآونة الأخيرة ولم يتم التوصل إلى لقاح لعلاجه , لأنه وبالنظر إلى حجم الرقم فقد قمت بعملية حسابية لتوضيح مدى الغباء الذي يتملك هذا المذيع الذي أوضح من خلال استخدام هذا الرقم مدى حقده على غزة وأهلها.

أولاً : بحسب التصريحات الصادرة عن وزارة البترول المصرية فان استهلاك مصر اليومي من الوقود هو حوالي ( 15) ألف طن , أي أن الاستهلاك السنوي حوالي خمسة ملايين طن , وبعملية حسابية بسيطة نجد أن ما تم تهريبه من مصر إلى غزة وفق المذيع الفصيح يبلغ مقدار ما استهلكته مصر خلال الألف سنة الماضية لو افترضنا أن كمية الاستهلاك خلال الألف سنة الماضية ثابتة بمعدل العام الماضي, وبعبارة أخرى فان الكمية أيضاً تعادل ما استهلكته مصر خلال مليار وثماني مائة مليون يوم .

ثانياً : لو افترضنا أن سعر اللتر من الوقود المصري في المحطات المصرية يباع بمبلغ جنيه واحد فقط , فمعنى ذلك أن سعر الطن حوالي ألف جنيه أو ما يعادل ( 150) دولار, وبمعنى آخر فان التجار الفلسطينيين قد قاموا بتحويل مبلغ وقدره ( 650 ) مليار دولار ثمناً لهذه الكمية من الوقود , وهو رقم خيالي مقارنة بمصر من ناحية أو بقطاع غزة من ناحية أخرى.

ثالثاً : ولو بدأنا بحساب العائد المالي المتوقع وصوله ودخوله لخزانة الحكومة الفلسطينية في غزة نتيجة دخول هذه الكميات إلى غزة لو افترضنا أن الحكومة تحصل على ما قيمته ( 300) دولار كضريبة على كل طن فان قيمة المبلغ الذي سيتم تحصيله هو ( 1500 مليار) دولار.

رابعاً : وبنظرة بسيطة إلى هذه الأرقام ومقارنتها بعدة أمثلة للتوضيح فإننا لو نظرنا إلى موازنة المملكة العربية السعودية للعام 2014/2015 نجد أنها تبلغ 228 مليار دولار وهي موازنة أعلنت عنها كموازنة قياسية حسب الإعلام السعودي. وبمقارنة هذه الموازنة الاستثنائية بالأرقام المفترض دخولها لخزينة الحكومة في غزة نجد أن ما دخل إليها يبلغ ستة أضعاف موازنة السعودية.

أما إذا قارنا المبلغ بموازنة الولايات المتحدة الأمريكية للعام 2014/2015 فإننا نجد موازنتها بلغت 1012 مليار دولار وعند مقارنتاها بما دخل خزانة الحكومة في غزة افتراضياً نجد انه يزيد عن موازنة الولايات المتحدة بفارق 488 مليار دولار. وبعودة إلى الواقع الحقيقي فان ما أعلنته حكومة غزة في موازنتها أن موازنتها للعام 2014/2015 هي (894 ) مليون دولار بعجز ( 589 ) مليون دولار, أي أن الواردات لا تصل إلى حوالي 20% مما تحتاجه.

وختام القول فان ما تدعيه بعض وسائل الإعلام وبعض الإعلاميين المصريين في هجومهم على غزة هو عبارة عن كذبة كبيرة من أناس فشلة لم يوفقوا حتى في حبك كذبتهم لان ما يطرحونه يخالف المنطق والعقل لمن كان له عقل ويخالف الواقع الموجود على الأرض خاصةً مع هذا الحصار الخانق المفروض على غزة من جميع الاتجاهات ويعطي المتابع للإعلام المصري صورة مغايرة للواقع إذ انه لو كان الأمر بهذه الصورة الوردية من تدفق الأموال على غزة لأصبحت غزة بلد المليون ونصف مليونير ولأصبحت غزة اكبر الأعضاء المساهمين في البنك الدولي .

البث المباشر