يثير مشروع الوزير الأمريكي جون كيري "الغامض" حتى اللحظة تساؤلا في كل العواصم العربية حول قضية اللاجئين، في ظل تسريبات دبلوماسية تدفع للتحذير من السيناريو الذي "ينمو" في عتمة خطة الإطار.
العديد من المعلومات المسربة مع تصريح رئيس سلطة فتح محمود عباس الأخير بأنه لن يغرق دولة الاحتلال بخمسة ملايين لاجئ تدفع باتجاه تصفية القضية من خلال حلول يقدمها وزير الخارجية الأمريكي ويجبر الأطراف المعنية على تطبيقها.
وتؤكد العديد من التصريحات الصادرة عن دول عربية أهمها الأردن والسعودية أن جهودا مبذولة على الأرض باتجاه توطين اللاجئين ودفع التعويضات المناسبة لهم.
اتفاق مسبق
وتكشف وثيقة مسربة عن اتفاق الإطار أسرارًا خطيرة حول التنازل عن حق العودة، فهي تنص على أن تساهم الدول الخليجية في توفير نفقات إعادة تأهيل اللاجئين في أماكن تواجدهم؛ بحيث يمنح العاملون فيها بما في ذلك دول الخليج حق الاقامة الدائمة (green card)، تمهيدًا لتوطين التجمعات الكبيرة في أماكن تواجدها.
وتم التأكيد على تنفيذ الفقرة (ج) من المادة الثامنة في اتفاق وادي عربة في هذا الشأن فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ويصبح هؤلاء جزءًا من الأردن، يعاملون كأردنيين كاملي الحقوق لا على أنهم فلسطينيين، وفق الوثيقة.
ونصت الوثيقة على حق الدولتين الفلسطينية و"اليهودية" في السماح لأي من اللاجئين بالدخول لزيارة الأراضي الواقعة تحت سيادة كل منهما، ومنح الاقامة المؤقتة المتعارف عليها دوليًا ولإسرائيل حق المساءلة في الحالات موضع الشبهة.
وبالمضي قدما في ذلك المخطط أفادت صحيفة الحياة اللندنية بأن هناك توجها لدى الحكومة الأردنية إلى منح أبناء الأردنيات حقوقاً مدنية كمقدمة لاتخاذ قرارات خاصة بـ"توطين" اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على الأرض الأردنية.
فاللاجئون الفلسطينيون في الأردن وهم الأغلبية ويبلغ عددهم نحو مليوني لاجىء يمكن إدماجهم في الأردن إلا أن الشرط الوحيد لدى عمان هو توجيه دعم مالي سخي لتمكينها من إنجاز هذه المهمة كما تؤكد وسائل إعلام عبرية.
السعودية تمضي في ذلك
وليس ببعيد عن الأردن فقد قامت وزارة العمل السعودية باحتساب الجالية الفلسطينية من حاملي وثائق السفر دون الجواز كوافد خاص.
ومن المميزات في هذه الإضافة هو احتساب الفلسطيني في النظام كسعودي في نسبة التوطين، وهذا يقتضي عدم الاستغناء عنه في أي وظيفة لاستبداله بموظف سعودي في القطاع الخاص كما يحدث مع باقي الجنسيات، كما أنه تم إزالة رسوم مكتب العمل الـ (2500) ريال، بحيث لا يتم دفع الرسوم عند تجديد الإقامة سنوياً.
وتعقيبا على ذلك ذكر الدكتور عصام عدوان، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن المعلومات المنشورة عن اتفاق الاطار كافية للتأكيد أن التوجه العام لدى الأطراف المتفاوضة هو التخلي عن حق العودة بقبول وغطاء عربيين.
وبين أن الخطة تسير في اتجاه التوطين وقد أعلنت دول كالأردن أنها لا تعارض التوطين إلا أن المشكلة الوحيدة لديها هي أن تكون التعويضات الممنوحة لها مجزية ومكافئة لما قدمته للاجئين.
وحول لجوء عباس لتغطية نفسه بالدول العربية في أي تنازل قال: الطرفان يلجآن لتغطية نفسيهما بالآخر فالدول العربية تدعي أن ما يحدث هو بإرادة فلسطينية وهي لا تعارض ما يريده الفلسطينيون، بينما يتذرع المفاوض الفلسطيني بأن العرب موافقون على ذلك الطرح.
ويعتبر عدوان أن جل ما يحدث هو مجرد بحث عن ذرائع لتمرير مخططات التنازل، مبينا أن المال العربي جاهز وتحت الطلب الأمريكي للاتفاق على أي تعويضات يتم الاتفاق عليها.
حل بالنقل
أما على صعيد اللاجئين في لبنان فقد نشر مؤخرا أن أبو مازن قد قال للمسؤولين هناك "جهزوا أنفسكم للتوطين"؟، مطالبا التعامل بواقعية مع الملف والاستعداد لمطالبات دولية بهذا المعنى.
ويؤكد مراقبون أن اللاجئين في لبنان سيتم التعامل معهم بالتأهيل في لبنان والسفر لدول مستقرة والتمتع بمواطنتها وكذلك العودة النسبية وبأعداد قليلة إلى دولة فلسطين الجديدة في الضفة الغربية.
وتأكيدا لهذا التوجه فقد سرب مؤخرا عن بعض المصادر قريبة الصلة بأجواء المفاوضات (الإسرائيلية) الفلسطينية، إن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر تعهد أثناء زيارته الأخيرة إلى دولة الاحتلال ورام الله نهاية يناير الماضي بموافقة بلاده على استيعاب بعض اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الأردن وسوريا ولبنان، في إطار أي تسوية سلمية بين المتفاوضين.
يعني ذلك أن مشكلة أكثر من 80% من اللاجئين في العالم عولجت عبر رافعتين الأولى هي تمتعهم بجنسية ثالثة ويشمل ذلك الدول العربية والأجنبية وكل دول العالم، والثانية الاستقرار في فلسطين نفسها لنحو مليوني لاجئ آخر في الضفة الغربية وغزة ستقول (إسرائيل) وقد يؤيدها الأمريكيون حسب مراقبون أنهم ليسوا لاجئين في الواقع لانهم أصلا موجودون على أرض فلسطينية وسيبقون فيها مقابل حزمة تحسين في شروط حياتهم الاقتصادية والأمنية.
مطلوب التحرك
وفي ذات السياق يقول المؤرخ الدكتور سليمان أبو ستة رئيس جمعية أرض فلسطين لـ"الرسالة نت" إن كل من ينكر حق العودة ليس فلسطينيا لأنه حق مقدس ولا يمكن لأحد أن يتنازل عنه سوى أصحابه السبعة ملايين الموزعين على بقاع الأرض.
ويضيف أنه حق فردي وجماعي كان لا يعارضه سوى دولة الاحتلال ومن خلفها الدول الغربية حتى اتفاق أوسلو والذي باتت بعده شخصيات فلسطينية ودول عربية تطالب بتسوية ذلك الحق.
واعتبر أبو ستة الباحث في قضايا اللاجئين أن كل من يتنازل عن حق العودة ويتحدث عن توطين اللاجئين يشن حربا على الشعب الفلسطيني لأنه يحكم عليهم بالبقاء مشردا في العالم وهذا هو هدف (إسرائيلي) بالأساس، لافتا إلى أن تصريح عباس بأنه لا يريد إغراق دولة الاحتلال باللاجئين العائدين هو تصريح (إسرائيلي) بلسان عربي.
وذكر أن محمود عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني لا من حيث الشرعية (التي انتهت منذ سنوات) ولا من حيث الثوابت الوطنية، إلا أن الخطورة في تلك التصريحات بأنها تعطي انطباعا بأنه يمثل فلسطين.
ويرى البروفسور أبو ستة والمهتم في قضايا اللاجئين أن مخططات ومشروعات التوطين لم تتوقف منذ العام 49م، مبينا أن دول عربية وافقت رسميا على توطين الفلسطينيين لديها، لافتا إلى أن الحديث يجري عن أن تتولى السعودية مهمة تعويض اللاجئين عن أرضهم.
ويؤكد أن الواجب على كل فلسطيني للتغلب على تلك المخططات الدعوة لانتخاب واختيار قيادة فلسطينية تمثل 12 مليون فلسطيني، داعيا كل شخص وطني في حركة فتح أن يختار زعيماً وطنياً جديداً للحركة يتمسك بمبادئها التي أقسم اعضاؤها على الولاء لها.
في حين أكد د. عدوان أن المطلوب ألا تقف الفصائل صامتة كونها أسست لخدمة القضية بالدم من أي خيانة تتعرض لها، معتبرا أن أي صمت من تلك الفصائل يدلل على نوايا خبيثة لها.