أصعب شيء في بلدنا أن تحتفظ بسر, وأسهل شيء أن تنسج قصة حول حدث لا تعرف تفاصيله, وتاريخيا ومنذ انطلاق الثورة الفلسطينية, كنا دائما محط اهتمام وتركيز كل أجهزة مخابرات العالم, ليس لأننا زرق العيون ولا شقر الشعر, بل لأننا كنز معلومات, ونصدر مقاومين, ومرتزقة, وثورات, وعلماء, وعملاء, "ببساطة كل شيء عنا" لهذا كان لكل جهاز مخابرات عربي مندوب في كل فصيل فلسطيني, ينقلوا لهم الأحلام قبل الحقائق.
ولأن اللعب أصبح على المكشوف, أصبحنا إذا أردنا أن نطلب خدمة من دولة شرقستان أو غربستان توجهنا لمندوب الدولة فلسطيني الهوية مخابراتي الانتماء, لتسهيل سفر, أو فتح مقر, أو مكرمة مالية.
ومع علو شأننا بين الأمم بعد الانتفاضات والحروب, أصبحت أجهزة المخابرات العربية قبل الأجنبية لا تكتفي بكوادر تنظيمية في الفصائل, بل جندوا التجار والصحفيين والحقوقيين والحلاقين والبوابين, كل في موقعه ينقل دبيب النمل حتى أصبحنا ككف اليد أمامهم, وأصبح بيع المعلومات تجارة رائجة, لهذا عندما يغادر مواطن أو مقاوم فلسطيني إلى بلد عربي, لا بد أن يمر على جهاز المخابرات الشقيق, كي يستعرضوا له تاريخ حياته وسيرته الذاتية والنضالية, ليكتشف أنهم لم يتركوا له لا شاردة أو واردة, بل تتبعوا عاداته وهواياته السرية, كلها لدى المخابرات الشقيقة.
ومع مرور الوقت تحولت العلاقة بين المخابرات العربية والمواطن الفلسطيني شبيهة بلعبة تراثية, لعبة "طاق طاق طاقية".
في هذه اللعبة يلعب المجندون لصالح المخابرات ضد بعضهم, بهدف خلق روح تنافسية, وضمان الولاءات لأطول فترة ممكنة, فجندوا الفصيل ضد الفصيل, والجناح ضد التنظيم, والتاجر يبيع على التاجر, والصحفي يلعب على الكل, كلهم جالسون في فنادق ومقرات الأمن العربية, في كل مرة يغنّي واحد منهم"طاق طاق طاقية", وهم يردّون "رنّ رنّ يا جرس", وبعدما يدور عليهم يضع العلامة, وهم يغمضون أعينهم, ثمّ يطلب منهم أن يفتحوا أعينهم, ويلحقه من وقعت وراءه العلامة, و يركض وراءه إلى أن يصيده أو يجلس في مكانه قبل أن يُصاد.
وهكذا ارتفع شأن الوشاة و"الوزازين", وأصبحت لهم مكانة في المجتمع والتنظيم, لهم أعوان ومريدون, يرددون معهم: "رنّ رنّ يا جرس".