قبل 307 سنوات أصبحت اسكتلندا جزءاً من المملكة المتحدة التي تضم أيضاً كلاً من ويلز وانجلاند. وفي سبتمبر أيلول القادم يتوجه 4 ملايين ناخب اسكتلندي للتصويت على البقاء في الاتحاد أو الانفصال عنه.
استطلاعات الرأي تشير الى أن 40% ما زالوا يؤيدون البقاء تحت التاج البريطاني، لكن ربع الاسكتلنديين لم يقرروا بعد أي وجهة يتخذون، مما يرفع نسبة المخاوف من تصويت الأغلبية لصالح الانفصال. انفصال اسكتلندا عن التاج البريطاني له تداعيات ليس على اسكتلندا أو بريطانيا فحسب، ولكن على الاتحاد الأوروبي، والعلاقات الأوروبية الأمريكية. في داخل بريطانيا، سيؤدي الانفصال الى تغير الخارطة السياسية الحزبية بشكل كبير، باعتبار أن نسبة كبيرة من مؤيدي حزب العمال (40 نائباً) تأتي من اسكتلندا.
ولذلك فان بريطانيا بدون اسكتلندا ستكون محسومة للمحافظين، وهو ما يدعو بعض المحللين الى القول بأن حزب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون سيكون سعيداً بانفصال اسكتلندا، لأن ذلك سيعني تربعه على السلطة بلا منازع أو منافس وبدون أن يضطر الى التحالف مع الديمقراطيين الأحرار.
لكن أعضاء حزب المحافظين ما زالوا على انضباطهم الشديد في عدم التصريح بذلك، خصوصاً أن الانفصال يزعزع الفكرة الأساسية لدى حزب المحافظين الذي يقوم على مبدأ الاتحاد مع اسكتلندا وويلز.
وسيفتح استقلاق اسكتلندا جروحاً قديمة في أيرلندا، حيث من المحتمل أن يطالب حزب شين فين الذراع السياسي للكاثوليك في ايرلندا الشمالية، بإجراء استفتاء مماثل في الاقليم، حول عودة (ألستر) الى جمهورية ايرلندا وخروجها من تحت التاج البريطاني. أما في ويلز، فمن المستبعد أن يؤدي انفصال اسكتلندا الى المطالبة بانفصال ويلز عن المملكة المتحدة، حيث لا تتجاوز نسبة الداعين الى الانفصال هناك 10%.
اذا صوت الأسكتلنديون بنعم للانفصال في سبتمبر القادم، فان بحث تفاصيل وترتيبات ومستقبل العلاقة بين المملكة المتحدة واسكتلندا سيحتاج حسب المراقبين الى عام ونصف، ما يعني ان الاسكتلنديين سيشاركون في انتخابات المملكة المتحدة عام 2015، ولن يكون مقبولاً تشكيل حزب العمال -في حال فوزه- لحكومة تعتمد على وجود نواب من اسكتلندا!! كما سيطرح الانفصال أسئلة عن الوضع الدستوري لنواب ووزراء وموظفين اسكتلنديين كبار في الحكومة البريطانية. لكن التغير الأهم هو في تقلص عدد وحجم القوات البريطانية التي يشكل الاسكتلنديون نسبة كبيرة منها. ونظراً لأن القدرات النووية البريطانية تتواجد على أراضي اسكتلندا، وميل القوميين الاسكتلنديين الى الطلب من لندن اخراج هذه القدرات من اسكتلندا، فان ذلك سيترك أثراً سلبياً على المكانة الاستراتيجية لبريطانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي الاتحاد الأوروبي.
وهو ما دعا قبل عدة أسابيع الأمين العام لحلف الناتو جورج روبرتسون والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع البريطاني أن انفصال اسكتلندا سيؤدي الى (بلقنة) أوروبا. ونظراً للعلاقة الوثيقة والمميزة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، واعتبار واشنطن بريطانيا الحليف الأقرب لها من بين بقية الأعضاء في حلف الناتو، فان واشنطن أيضاً ستصبح أقل تأثيراً في القرار الأطلسي حسب ما يرى باحثون استراتيجيون. ويتخوف الأمريكيون من التراجع التدريجي للأثر الجيوسياسي الذي تمتعت به بريطانيا يوماً ما.
فاذا اضيف انفصال اسكتلندا الى خروج محتمل للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فهذا يعني تراجع كبير لمكانة بريطانيا الدولية. ويبدي مراقبون في واشنطن قلقهم من صمت ادارة الرئيس أوباما ازاء احتمال انفصال اسكتلندا، وأثر ذلك على بريطانيا، أقرب حليف لها في أوروبا. ويبدو أن صمت واشنطن مبعثه أن استطلاعات الرأي لا تشير الى أن الانفصال سيحدث فعلاً. لكن قبل موعد الاستفتاء بأسبوعين سيكون الرئيس باراك اوباما في بريطانيا لحضور قمة حلف الناتو التي ستعقد في ويلز بمدينة كاردف، ويتوقع أن يخرج خلالها عن صمته ازاء النتائج المتوقعة لانفصال اسكتلندا، هذا ان لم يكن قد خرج عن صمته قبل ذلك بكثير.
ويبقى السؤال الأهم بالنسبة للعالم العربي: كيف يرى العرب مستقبل علاقاتهم مع بريطانيا وأوروبا واسكتلندا؟ وما هي استراتيجية الفلسطينيين بشكل خاص تجاه هذه التغيرات الكبرى في الخارطة السياسية والجغرافية لأوروبا والعالم؟! سؤال لا نعتقد أن أنظمة مشغولة في ترتيب أمورها الداخلية مهتمة بالاجابة عليه.